لوجب أن يكون بصيغة المتكلم.
وغير ذلك من قرائن ودلائل ظاهرة بل صريحة على أنّ القرآن بجملته ـ لفظا ومعنى ـ من صنيع السماء وليس من دونها.
أضف إلى ذلك : أنّه معجزة الإسلام الخالدة ، وأنّه يعجز البشر ـ أيّا كان ، النبيّ أو غيره ـ أن يأتوا بمثله ، والتحدّي لا يخصّ المعنى ، وإنّ للّفظ ونظمه ونضده ، قسطا وافرا في هذا التحدّي ، فلو كان للنبيّ أن يأتي بمثل نظم القرآن وأسلوبه البديع ، لكان من المستطاع نقض التحدّي على يد بشر.
على أنّا لا نجد في كلام النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم ولا غيره من أمراء البيان كالإمام أمير المؤمنين عليهالسلام ما يضاهي القرآن أو يماثله في صياغة البيان.
وذكر الإمام بدر الدين الزركشي : أنّه نقل بعضهم عن السمرقندي (١) حكاية ثلاثة أقوال في المنزل على النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم :
أحدها ـ وهو الرأي السائد ـ : أنّ النازل هو اللفظ والمعنى معا ، حسب صريح تعبير القرآن.
ثانيها : أنّ جبرائيل إنّما نزل بالمعاني خاصّة ، وأنّ النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم هو صاغها في صياغة اللسان العربي المبين ، نظرا لقوله تعالى : (نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ. عَلى قَلْبِكَ)(٢). وقوله : (فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلى قَلْبِكَ)(٣). بزعم أنّ الذي يعيه القلب هو المعنى دون اللفظ الذي يخصّ مدرك السمع.
ثالثها : أنّ جبرائيل هو الذي كان يفرغها في قوالب الألفاظ بلسان عربيّ مبين ، ثمّ كان يلقيها على النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم. ومن ثمّ كان أهل السّماء استمعوا إلى قرآن جبرائيل ، وجعلوا يقرأونه بالعربيّة.
ولا مستند لهذا القول سوى ما روي من نزول القرآن جملة إلى السماء الدنيا أو الرابعة ، ثمّ نزل تدريجا على رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم في طول عشرين سنة. (٤)
قال الجويني (٥) : الوحي على قسمين : أحدهما أن يأمر الله جبرائيل بأن يقول للنبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم افعل كذا ، أو أنّ الله أمر بكذا. فكان جبرائيل يتلقّى المعنى ويلقيه على قلب النبيّ.
__________________
(١) هو : أبو بكر محمّد بن اليمان السمرقندي (ت ٢٦٨) كان فقيها حنفيّا ومتكلّما.
(٢) الشعراء ٢٦ : ١٩٣ ـ ١٩٤.
(٣) البقرة ٢ : ٩٧.
(٤) راجع : البرهان ١ : ٢٢٩ ـ ٢٣٠. ونقله السيوطي في الإتقان ١ : ١٢٦.
(٥) هو إمام الحرمين أبو المعالي عبد الملك بن عبد الله بن يوسف ، إمام وقته ومن تغني شهرته عن ذكره ، ومن بارك الله في تلامذته حتّى صاروا أئمّة الدنيا ، مثل الخوافي والغزالي والكياهراسي وغيرهم. توفّي سنة ٤٧٨ بنيسابور.