ثمّ إنّ ظاهر هذا الدليل دعوى القطع (٢١٨٢) ببقاء الحالة السابقة واقعا ، ولم يعرف هذه الدعوى من أحد ، واعترف بعدمه في المعارج في أجوبة النافين ، وصرّح بدعوى رجحان البقاء. ويمكن أن يريد به : إثبات البناء (*) على الحالة السابقة ولو مع عدم رجحانه ، وهو في غاية البعد عن عمل العقلاء بالاستصحاب في امورهم. والظاهر أنّ مرجع هذا الدليل إلى أنّه إذا احرز المقتضي وشكّ في المانع ـ بعد تحقّق المقتضي وعدم المانع في السابق ـ بني على عدمه ووجود المقتضي.
ويمكن أن يستفاد من كلامه السابق في قوله : «والذي نختاره» ، أنّ مراده بالمقتضي للحكم دليله ، وأنّ المراد بالعارض احتمال طروّ المخصّص لذلك الدليل ، فمرجعه إلى أنّ الشكّ في تخصيص العامّ أو تقييد المطلق لا عبرة به ، كما يظهر من تمثيله بالنكاح والشكّ في حصول الطلاق ببعض الألفاظ ، فإنّه إذا دلّ الدليل على أنّ عقد النكاح يحدث علاقة الزوجيّة ، وعلم من الدليل دوامها ، ووجد في الشرع
______________________________________________________
٢١٨٢. تظهر هذه الدعوى من قوله : «فيجب الحكم بثبوته». والذي يظهر من كلامه في توجيه هذه العبارة وجوه : أحدها : الحكم بالثبوت على سبيل الظنّ ، كما يظهر ممّا حكاه عن المعارج. وثانيها : الحكم به على سبيل التعبّد العقلائي. وثالثها : الحكم به على سبيل الظنّ النوعي ، كما يظهر ممّا استظهره بقوله : «والظاهر أنّ مرجع هذا الدليل ...». ورابعها : الحكم به بالعموم اللفظي للدليل المثبت للحكم الأوّل ، أو إطلاقه كذلك الشامل للحالة الثانية.
وسيأتي ضعف الأوّل مستوفى. والثاني بعيد في الغاية ، كما صرّح به المصنّف رحمهالله ، لأنّ مدار عمل العقلاء على الظنّ دون التعبّد. والثالث : مع منع حصول الظنّ ولو نوعا أنّه لا دليل على اعتباره في المقام. والرابع غير مستقيم ، كما صرّح به المصنّف رحمهالله ، وسنشير إلى توضيحه.
__________________
(*) في بعض النسخ : بدل «البناء» ، البقاء.