وبالجملة : فالعبرة في جريان الاستصحاب عدّ الموجود السابق مستمرّا إلى اللاحق ، ولو كان الأمر اللاحق على تقدير وجوده مغايرا بحسب الدقّة للفرد السابق ؛ ولذا لا إشكال في استصحاب الأعراض ، حتّى على القول فيها بتجدّد الأمثال ، وسيأتي ما يوضح عدم ابتناء الاستصحاب على المداقّة العقلية.
ثمّ إنّ للفاضل التوني كلاما يناسب المقام مؤيّدا لبعض ما ذكرناه ، وإن لم يخل بعضه عن النظر بل المنع. قال في ردّ تمسّك المشهور في نجاسة الجلد المطروح باستصحاب عدم التذكية : إنّ عدم المذبوحيّة لازم لأمرين : الحياة ، والموت حتف الأنف. والموجب للنجاسة ليس هذا اللازم من حيث هو ، بل ملزومه الثاني أعني الموت حتف الأنف ، فعدم المذبوحيّة لازم أعمّ لموجب النجاسة ، فعدم المذبوحيّة اللازم للحياة مغاير لعدم المذبوحيّة العارض للموت حتف أنفه. والمعلوم ثبوته في الزمان السابق هو الأوّل لا الثاني ، وظاهر أنّه غير باق في الزمان الثاني ، ففي الحقيقة يخرج مثل هذه الصورة من الاستصحاب ؛ إذ شرطه بقاء الموضوع وعدمه هنا معلوم. قال : وليس مثل المتمسّك بهذا الاستصحاب إلّا مثل من تمسّك على وجود عمرو في الدار باستصحاب بقاء الضاحك المتحقّق بوجود زيد في الدار في الوقت الأوّل. وفساده غنيّ عن البيان (٢) ، انتهى.
أقول : ولقد أجاد فيما أفاد ، من عدم جواز الاستصحاب في المثال المذكور ونظيره ، إلّا أنّ نظر المشهور (٢٣٧٨) ـ في تمسّكهم على النجاسة ـ إلى أنّ النجاسة
______________________________________________________
٢٣٧٨. حاصله : منع صحّة مقايسة ما نحن فيه على ما ذكره من المثال ، لأنّها إنّما تتمّ على تقدير كون مراد المشهور باستصحاب عدم التذكية إثبات كون الموت بحتف الأنف ، بناء على كون الحرمة والنجاسة مترتّبتين عليه لا على مجرّد عدم التذكية ، وليس كذلك ، لأنّ مقصودهم به إثبات مجرّد عدم التذكية ، لكون الحرمة والنجاسة مترتّبتين في الأدلّة عليه لا على الموت بحتف الأنف ، كما ستعرف تفصيل القول فيه.