ويجذب من أمامه بسلاسل من حديد ويضرب من خلفه بمقامع من حديد ، فيصعدها في أربعين عاما فإذا بلغ ذروتها أحدر إلى أسفلها ، ثم يكلف أن يصعدها ويجذب من أمامه ويضرب من خلفه فذلك دأبه أبدا.
(إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ) (١٨) الآيات.
[٢٢٩٣] وذلك أن الله تعالى لما أنزل على النبي صلىاللهعليهوسلم (تَنْزِيلُ الْكِتابِ مِنَ اللهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ) ، إلى قوله : (الْمَصِيرُ) [غافر : ١ ـ ٣] قام النبي صلىاللهعليهوسلم في المسجد والوليد بن المغيرة قريب منه يسمع قراءته فلما فطن النبي صلىاللهعليهوسلم لاستماعه لقراءته أعاد قراءة الآية ، فانطلق الوليد حتى أتى مجلس قومه بني مخزوم ، فقال : والله لقد سمعت من محمد آنفا كلاما ما هو من كلام الإنس ولا من كلام الجن ، وإن له لحلاوة وإن عليه لطلاوة وإن أعلاه لمثمر ، وإن أسفله لمغدق ، وأنه يعلو وما يعلى ، ثم انصرف إلى منزله فقالت قريش : سحره محمد ، صبأ والله الوليد ، والله لتصبون قريش كلهم ، وكان يقال للوليد : ريحانة قريش ، فقال لهم أبو جهل : أنا أكفيكموه فانطلق فقعد إلى جنب الوليد حزينا ، فقال له الوليد : ما لي أراك حزينا يا ابن أخي؟ قال : وما يمنعني أن لا أحزن وهذه قريش يجمعون لك النفقة يعينونك على كبر سنك ويزعمون أنك زيّنت كلام محمد وأنك تدخل على ابن أبي كبشة ، وابن أبي قحافة لتنال من فضل طعامهم ، فغضب الوليد ، فقال : ألم تعلم قريش أني من أكثرهم مالا وولدا ، وهل شبع محمد وأصحابه من الطعام فيكون لهم فضل من الطعام ، ثم قام مع أبي جهل حتى أتى مجلس قومه ، فقال لهم : تزعمون أن محمدا مجنون فهل رأيتموه يخنق (١) قط؟ قالوا : اللهم لا ، قال : تزعمون أنه كاهن فهل رأيتموه قط تكهن؟ قالوا : اللهم لا ، قال : تزعمون أنه شاعر فهل رأيتموه ينطق بشعر قط؟ قالوا : اللهم لا ، قال : تزعمون أنه كذاب فهل جربتم عليه شيء من الكذب؟ قالوا : لا ، وكان رسول الله صلىاللهعليهوسلم يسمى الأمين قبل النبوة من صدقه ، فقالت قريش للوليد : فما هو؟ فتفكر في نفسه ثم نظر وعبس ، فقال : ما هو إلا ساحر ، أما رأيتموه يفرق بين الرجل وأهله وولده ومواليه؟ فهو ساحر وما يقوله سحر يؤثر ، فذلك قوله عزوجل : (إِنَّهُ فَكَّرَ) في محمد والقرآن (وَقَدَّرَ) في نفسه ما ذا يمكنه أن يقول في محمد والقرآن.
__________________
[٢٢٩٣] ـ لم أقف عليه مطوّلا بهذا السياق.
ـ وأخرجه نحوه الواحدي في «أسباب النزول» ٨٤٢ والحاكم ٢ / ٥٠٦ والبيهقي في «الدلائل» ٢ / ١٩٨ ـ ١٩٩ من طريق عبد الرزاق عن معمر عن أيوب السختياني عن عكرمة عن ابن عباس أن الوليد بن المغيرة جاء إلى النبي صلىاللهعليهوسلم فقرأ عليه القرآن فكأنه رقّ له ، فبلغ ذلك أبو جهل ، فأتاه فقال : .... فذكره بنحوه.
ـ وصححه الحاكم على شرط البخاري ، ووافقه الذهبي ، ورجاله رجال الصحيح.
ـ وأخرج عجزه البيهقي في «الدلائل» ٢ / ١٩٩ ـ ٢٠٠ من طريق محمد بن أبي محمد عن سعيد بن جبير أو عكرمة عن ابن عباس بنحوه ، وإسناده ضعيف لجهالة محمد بن أبي محمد.
ـ وورد بنحوه من مرسل عكرمة عند عبد الرزاق في «التفسير» ٣٣٨٤ وفي إسناده راو مجهول.
ـ وأخرجه الطبري ٣٥٤١٩ من طريق معمر عن عباد بن منصور عن عكرمة نحوه.
ـ وورد من مرسل ابن زيد ، أخرجه الطبري ٣٥٤٢٤.
ـ وورد من مرسل قتادة مختصرا ، أخرجه الطبري ٣٥٤٢١.
ـ وورد من مرسل الضحاك ، أخرجه الطبري ٣٥٤٢٣.
ـ رووه بألفاظ متقاربة مختصرا ومطولا ، فالخبر صحيح الأصل ، بطرقه وشواهده.
ـ وانظر «الكشاف» ١٢٥٠ و «فتح القدير» ٢٦٠٦ بتخريجي ، ولله الحمد والمنة.
(١) كذا في المطبوع وط. والمخطوط (أ) وفي (ب) تجنن.