أنامله فنجعل أصابع يديه ورجليه شيئا واحدا كخف البعير وحافر الحمار فلا يرتفق بها بالقبض والبسط والأعمال اللطيفة كالكتابة والخياطة وغيرها ، هذا قول أكثر المفسرين. وقال الزجاج وابن قتيبة : معناه ظن الكافر أنا لا نقدر على جمع عظامه بلى نقدر على أن نعيد السلاميات على صغرها فنؤلف بينها حتى نسوي البنان ، فمن قدر على جمع صغار العظام فهو على جمع كبارها أقدر.
(بَلْ يُرِيدُ الْإِنْسانُ لِيَفْجُرَ أَمامَهُ) (٥) ، يقول لا يجهل ابن آدم أن ربه قادر على جمع عظامه لكنه يريد أن يفجر أمامه أي يمضي قدما على معاصي الله ما عاش راكبا رأسه لا ينزع عنها ولا يتوب ، هذا قول مجاهد والحسن وعكرمة والسدي. وقال سعيد بن جبير : ليفجر أمامه يقدم على الذنب ويؤخر التوبة فيقول سوف أتوب سوف أعمل حتى يأتيه الموت على شر أحواله وأسوأ أعماله. وقال الضحاك : هو الأمل يقول أعيش فأصيب من الدنيا كذا وكذا ولا يذكر الموت. وقال ابن عباس وابن زيد : يكذب بما أمامه من البعث والحساب. وأصل الفجور الميل وسمي الفاسق والكافر فاجرا لميله عن الحق.
(يَسْئَلُ أَيَّانَ يَوْمُ الْقِيامَةِ (٦) فَإِذا بَرِقَ الْبَصَرُ (٧) وَخَسَفَ الْقَمَرُ (٨) وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ (٩) يَقُولُ الْإِنْسانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ الْمَفَرُّ (١٠) كَلاَّ لا وَزَرَ (١١) إِلى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ (١٢) يُنَبَّؤُا الْإِنْسانُ يَوْمَئِذٍ بِما قَدَّمَ وَأَخَّرَ (١٣))
(يَسْئَلُ أَيَّانَ يَوْمُ الْقِيامَةِ) (٦) ، أي متى يكون ذلك تكذيبا به.
قال الله تعالى : (فَإِذا بَرِقَ الْبَصَرُ) (٧) ، قرأ أهل المدينة (بَرِقَ) بفتح الراء وقرأ الآخرون بكسرها وهما لغتان. قال قتادة ومقاتل : شخص البصر فلا يطرف مما يرى من العجائب التي كان يكذب بها في الدنيا. قيل : وذلك عند الموت. وقال الكلبي : عند رؤية جهنم تبرق أبصار الكفار. وقال الفراء والخليل برق بالكسر أي فزع وتحير لما يرى من العجائب ، وبرق بالفتح أي شق عينه وفتحها من البريق وهو التلألؤ.
(وَخَسَفَ الْقَمَرُ) (٨) ، أظلم وذهب نوره وضوؤه.
(وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ) (٩) ، أي صارا أسودين مكورين كأنهما ثوران عقيران. وقيل : يجمع بينهما في ذهاب الضياء. وقال عطاء بن يسار يجمعان يوم القيامة ثم يقذفان في البحر فيكون (١) نار الله الكبرى. [وقيل : يجمعان ثم يقذفان في النار. وقيل يجمعان فيطلعان من المغرب](٢).
(يَقُولُ الْإِنْسانُ) ، أي الكافر المكذب (يَوْمَئِذٍ أَيْنَ الْمَفَرُّ) ، أي المهرب وهو موضع الفرار. وقيل : هو مصدر أي أين الفرار.
قال الله تعالى : (كَلَّا لا وَزَرَ) (١١) ، لا حصن ولا حرز ولا ملجأ. وقال السدي : لا جبل ، وكانوا إذا فزعوا لجئوا إلى الجبل فتحصنوا به [فقال : قل](٣) لا جبل يومئذ يمنعهم.
(إِلى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ) (١٢) ، أي مستقر الخلق. وقال عبد الله بن مسعود : المصير والمرجع نظيره قوله تعالى : (إِلى رَبِّكَ الرُّجْعى) [العلق : ٨] (وَإِلَى اللهِ الْمَصِيرُ) [آل عمران : ٢٨ ، النور : ٤٢ ، فاطر : ١٨] وقال السدي : المنتهى ، نظيره : (وَأَنَّ إِلى رَبِّكَ الْمُنْتَهى) (٤٢) [النجم : ٤٢].
(يُنَبَّؤُا الْإِنْسانُ يَوْمَئِذٍ بِما قَدَّمَ وَأَخَّرَ) (١٣) ، قال ابن مسعود وابن عباس بما قدم قبل الموت من عمل صالح
__________________
(١) في المطبوع «فيكونان» وفي المخطوط «فيكونا» والمثبت عن المخطوط (١) والطبري ٣٥٥٦٩.
(٢) زيد في المطبوع.
(٣) في المطبوع «وقال تعالى» والمثبت عن المخطوط (أ)