كوثاقة أحد ، يعني لا يبلغ أحد من الخلق كبلاغ الله في العذاب ، والوثاق وهو الإسار في السلاسل والأغلال.
قوله عزوجل : (يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ) (٢٧) ، إلى ما وعد الله المصدقة بما قال الله. قال مجاهد : المطمئنة التي أيقنت أن الله تعالى ربها وصبرت جأشا لأمره وطاعته. وقال الحسن : المؤمنة الموقنة. وقال عطية : الراضية بقضاء الله تعالى. وقال الكلبي الأمنة من عذاب الله. وقيل المطمئنة بذكر الله ، بيانه قوله : (وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللهِ) [الرعد : ٢٨] ، واختلفوا في وقت هذه المقالة ، فقال قوم : يقال لها ذلك عند الموت فيقال لها :
(ارْجِعِي إِلى رَبِّكِ) إلى الله ، (راضِيَةً) ، بالثواب ، (مَرْضِيَّةً) ، عنك ، وقال الحسن : إذا أراد الله قبضها اطمأنت إلى الله ورضيت عن الله ورضي الله عنها.
قال عبد الله بن عمرو : إذا توفي العبد المؤمن أرسل الله عزوجل ملكين وأرسل إليه بتحفة من الجنة ، فيقال لها : اخرجي أيتها النفس المطمئنة ، اخرجي إلى روح وريحان ورب عنك راض ، فتخرج كأطيب ريح مسك وجده أحد في أنفه ، والملائكة على أرجاء السماء يقولون : قد جاء من الأرض روح طيبة ونسمة طيبة. فلا تمر بباب إلا فتح لها ولا بملك إلا صلى عليها ، حتى يؤتى بها الرحمن فتسجد ، ثم يقال لميكائيل : اذهب بهذه فاجعلها (١) مع أنفس المؤمنين ، ثم يؤمر فيوسع عليه قبره سبعون ذراعا عرضه وسبعون ذراعا طوله ، وينبذ له الرعان ، وإن كان معه شيء من القرآن كفاه نوره ، وإن لم يكن جعل له نوره مثل الشمس في قبره ، ويكون مثله مثل العروس ينام فلا يوقظه إلا أحب أهله إليه. وإذا توفي الكافر أرسل الله إليه ملكين وأرسل [إليه](٢) قطعة من بجاد أنتن من كل نتن وأخشن من كل خشن ، فيقال : أيتها النفس الخبيثة اخرجي إلى جهنم وعذاب أليم ورب عليك غضبان (٣).
وقال أبو صالح في قوله : (ارْجِعِي إِلى رَبِّكِ راضِيَةً مَرْضِيَّةً) (٢٨) ، قال : هذا عند خروجها من الدنيا فإذا كان يوم القيامة قيل : (فَادْخُلِي فِي عِبادِي (٢٩) وَادْخُلِي جَنَّتِي (٣٠)).
وقال آخرون : إنما يقال لها ذلك عند البعث ارجعي إلى ربك ، أي إلى صاحبك وجسدك ، فيأمر الله الأرواح أن ترجع إلى الأجساد ، وهذا قول عكرمة وعطاء والضحاك ، ورواية العوفي عن ابن عباس.
وقال الحسن : ارجعي إلى ثواب ربك وكرامته راضية عن الله بما أعد لها مرضية رضي عنها ربها.
(فَادْخُلِي فِي عِبادِي (٢٩) وَادْخُلِي جَنَّتِي (٣٠))
(فَادْخُلِي فِي عِبادِي) (٢٩) ، أي مع عبادي في جنتي. وقيل : في جملة عبادي الصالحين المطيعين المصطفين ، نظيره : (وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبادِكَ الصَّالِحِينَ) [النمل : ١٩].
(وَادْخُلِي جَنَّتِي) (٣٠) ، وقال بعض أهل الإشارة : يا أيتها النفس المطمئنة إلى الدنيا ارجعي إلى الله بتركها ، والرجوع إلى الله هو سلوك سبيل الآخرة.
وقال سعيد بن جبير : مات ابن عباس بالطائف فشهدت جنازته ، فجاء طائر لم ير على صورة خلقه
__________________
(١) في المخطوط «فأدخلها».
(٢) زيادة من المخطوط.
(٣) عزاه المصنف لعبد الله بن عمرو بن العاص قوله ، ولبعضه شواهد في المرفوع ، وتقدمت.