(الَّذِي يُؤْتِي مالَهُ) ، يعطي ماله ، (يَتَزَكَّى) ، يطلب أن يكون عند الله زاكيا لا رياء ولا سمعة ، يعني أبا بكر الصديق ، في قول الجميع.
قال ابن الزبير : كان أبو بكر يبتاع الضعفة فيعتقهم ، فقال [له](١) أبوه : أي بني لو كنت تبتاع من يمنع ظهرك؟ قال : منع ظهري أريد ، فنزل : (وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى) (١٧) إلى آخر السورة.
وذكر محمد بن إسحاق قال : كان بلال لبعض بني جمح (٢) وهو بلال بن رباح واسم أمه حمامة ، وكان صادق الإسلام طاهر القلب ، وكان أمية بن خلف يخرجه إذا حميت الظهيرة فيطرحه على ظهره ببطحاء مكة ، ثم يأمر بالصخرة العظيمة فتوضع على صدره ، ثم يقول له لا تزال هكذا حتى تموت ، أو تكفر بمحمد ، فيقول وهو في ذلك البلاء : أحد أحد. وقال محمد بن إسحاق عن هشام بن عروة عن أبيه قال : مر به أبو بكر يوما وهم يصنعون به ذلك ، وكانت دار أبي بكر في بني جمح ، فقال لأمية ألا تتقي الله تعالى في هذا المسكين؟ قال : أنت أفسدته فأنقذه مما ترى ، قال أبو بكر : أفعل! عندي غلام أسود أجلد منه وأقوى ، على دينك ، أعطيكه؟ قال : قد فعلت فأعطاه أبو بكر غلامه وأخذه فأعتقه ، ثم أعتق معه على الإسلام قبل أن يهاجر ست رقاب ، بلال سابعهم ، عامر بن فهيرة شهد بدرا وأحدا ، وقتل يوم بئر معونة شهيدا ، وأم عميس ، وزنيرة (٣) فأصيب بصرها وأعتقها ، فقالت قريش : ما أذهب بصرها إلا اللات والعزى ، فقالت : كذبوا وبيت الله ما تضر اللات والعزى ، وما تنفعان فرد الله إليها بصرها ، وأعتق النهدية وابنتها ، وكانتا لامرأة من بني عبد الدار فمر بهما وقد بعثتهما سيدتهما تحطبان لها وهي تقول والله لا أعتقكما أبدا ، فقال أبو بكر : كلا يا أم فلان ، فقالت : كلا أنت أفسدتهما فأعتقهما ، قال : فبكم؟ قالت : بكذا وكذا ، قال : قد أخذتهما وهما حرتان ، ومر بجارية بني المؤمل وهي تعذب فابتاعها فأعتقها.
وقال سعيد بن المسيب : بلغني أن أمية بن خلف قال لأبي بكر في بلال حين قال : أتبيعه؟ قال : نعم أبيعه بنسطاس ، وكان نسطاس عبدا لأبي بكر صاحب عشرة آلاف دينار ، وغلمان وجوار ومواش ، وكان مشركا حمله أبو بكر على الإسلام على أن يكون ماله له ، فأبى فأبغضه أبو بكر ، فلما قال له أمية : أبيعه بغلامك نسطاس اغتنمه أبو بكر وباعه منه ، فقال المشركون : ما فعل ذلك أبو بكر إلا ليد كانت لبلال عنده. فأنزل الله (وَما لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزى) (١٩) ، أي يجازيه عليها.
(إِلَّا) ، لكن (ابْتِغاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلى) ، يعني لا يفعل ذلك مجازاة لأحد بيد له عنده ، ولكنه يفعله ابتغاء وجه ربه الأعلى وطلب رضاه.
(وَلَسَوْفَ يَرْضى) (٢١) ، بما يعطيه الله عزوجل في الآخرة من الجنة والكرامة جزاء على ما فعل.
__________________
(١) زيادة عن المخطوطتين.
(٢) تصحف في المطبوع «جمع».
(٣) في المطبوع «وزهرة».