هفوة المذنب لا تنافي أن يكون مكلفا للتحفظ ، وإنما شرع الاستغفار والتوبة ، بوقوع الهفوات.
وقال أبو جعفر النحاس : «معنى قول الأولين نسخت هذه الآية ، أي : أنزلت الأخرى بنسختها وهما واحد ، وإلا فهذا لا يجوز أن ينسخ ، لأن الناسخ هو المخالف للمنسوخ من جميع جهاته الرافع له المزيل حكمه».
وقال ابن عقيل : ليست منسوخة ، لأن قوله : (مَا اسْتَطَعْتُمْ) بيان لحق تقاته وأنه تحت الطاقة ، فمن سمى بيان القرآن نسخا فقد أخطأ ، وهذا في تحقيق الفقهاء يسمى : تفسير مجمل أو بيان مشكل ، وذلك أن القوم ظنوا أن ذلك تكليف ما لا يطاق فأزال الله إشكالهم ، فلو قال : لا تتقوه حق تقاته كان نسخا ، وإنما بيّن أنه لم أراد بحق التقاة ؛ ما لي في الطاقة.
ذكر الآية الثامنة:
قوله تعالى : (لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذىً) [آل عمران : ١١١].
قال جمهور المفسرين : معنى الكلام : لن يضروكم ضرا باقيا في جسد أو مال إنما هو شيء يسير سريع الزوال ، وتثابون عليه.
وهذا لا ينافي الأمر بقتالهم فالآية محكمة على هذا ، ويؤكده أنها خبر ، والأخبار لا تنسخ.
وقال السدي : الإشارة إلى أهل الكتاب ، وذلك قبل أن يؤمر بقتالهم ، فنسخت بقوله : (قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ) [التوبة : ٢٩] والأول أصح.
ذكر الآية التاسعة :
قوله تعالى : (وَمَنْ يُرِدْ ثَوابَ الدُّنْيا نُؤْتِهِ مِنْها وَمَنْ يُرِدْ ثَوابَ الْآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْها) [آل عمران : ١٤٥]. جمهور العلماء على أن هذا الكلام محكم واستدلوا عليه بشيئين.
الأول : أنه خبر ، والخبر لا يدخله النسخ.
والثاني : أنهم قالوا : ما أحد إلا وله من الدنيا نصيب مقدر ، ولا يفوته ما قسم له ، فمن كانت همته ثواب الدنيا أعطاه الله منها ما قدّر له ، وذلك هو الذي يشاؤه الله ، وهو المراد بقوله : (عَجَّلْنا لَهُ فِيها ما نَشاءُ لِمَنْ نُرِيدُ) [الإسراء : ١٨] ولم يقل يؤته منها ما يشاء هو. ويمكن أن يكون المعنى : لمن يريد أن يفتنه أو يعاقبه.