نِسائِكُمْ) قال : كانت هذه الآية قبل الحدود ثم أنزلت (وَالَّذانِ يَأْتِيانِها مِنْكُمْ فَآذُوهُما) قال : كانا يؤذيان بالقول والشتم وتحبس المرأة ثم إن الله تعالى نسخ ذلك فقال : (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما مِائَةَ جَلْدَةٍ).
قال أحمد : وبنا علي بن حفص ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد (وَالَّذانِ يَأْتِيانِها مِنْكُمْ فَآذُوهُما) قال : نسخته الآية التي في النور بالحد المفروض.
قال قوم : نسخ هذان الحكمان بحديث عبادة بن الصامت عن النبي صلىاللهعليهوسلم أنه قال : «خذوا عني خذوا عني قد جعل الله لهنّ سبيلا ؛ الثّيّب بالثّيّب جلد مائة ورجم بالحجارة ، والبكر بالبكر جلد مائة ونفي سنة» (١).
قالوا : فنسخت الآية بهذا الحديث ، وهؤلاء يجيزون نسخ القرآن بالسنة. وهذا قول مطروح ؛ لأنه لو جاز نسخ القرآن بالسنة لكان ينبغي أن يشترط التواتر في ذلك الحديث ، فأما أن ينسخ القرآن بأخبار الآحاد فلا يجوز ذلك وهو من أخبار الآحاد.
وقال الآخرون : السبيل الذي جعل الله لهن هو الآية : (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما مِائَةَ جَلْدَةٍ) قال آخرون : بل السبيل قرآن نزل ثم رفع رسمه وبقي حكمه ، وظاهر حديث عبادة يدل على ذلك ، لأنه قال : «قد جعل الله لهن سبيلا» فأخبر أن الله تعالى جعل لهن السبيل ، والظاهر أنه بوحي لم تستقر تلاوته ، وهذا يخرج على قول من لا يرى نسخ القرآن بالسنة ، وقد اختلف العلماء بما ذا ثبت الرجم على قولين :
الأول : أنه نزل به قرآن ثم نسخ لفظه ، وانعقد الإجماع على بقاء حكمه.
والثاني : أنه ثبت بالسنة.
ذكر الآية الثامنة والتاسعة :
قوله تعالى : (إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهالَةٍ) وقوله : (وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ حَتَّى إِذا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ) [النساء : ١٧ ـ ١٨] إنما سمى فاعل الذنب جاهلا ، لأن فعله مع العلم بسوء مغبته ، فأشبه من جهل المغبة والتوبة من قريب ما كان قبل معاينة الملك ، فإذا حضر الملك لسوق الروح لم تقبل توبته ، لأن الإنسان حينئذ يصير كالمضطر إلى التوبة ، فمن تاب قبل ذلك قبلت توبته ، أو أسلم عن كفر قبل إسلامه ، وهذا أمر ثابت محكم.
__________________
(١) أخرجه مسلم (١٦٩٠) وغيره ، من حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه.