والقول الثاني : أنها عامة دخلها التخصيص ، بدليل أنه لو قتله كافر ثم أسلم الكافر سقطت عنه العقوبة في الدنيا والآخرة ، فإذا ثبت كونها من العام المخصص ، فأي دليل صلح للتخصيص وجب العمل به. ومن أسباب التخصيص أن يكون قد قتله مستحلا لأجل إيمانه فيستحق التخليد لاستحلاله.
[١٢٩] ـ أخبرنا المبارك بن علي ، قال : ابنا أحمد بن الحسين بن قريش ، قال : ابنا إبراهيم بن عمر البرمكي ، قال : ابنا محمد بن إسماعيل بن العباس ، قال : ابنا أبو بكر بن أبي داود ، قال : ابنا الحسن بن عطاء ، وأحمد بن محمد الحسين ، قالا : ابنا خلاد بن يحيى ، قال ابنا أنس بن مالك الصير في أبو روية ، عن أنس بن مالك ، قال : بعث رسول الله صلىاللهعليهوسلم سرية وعليها أمير ، فلما انتهى إلى أهل ماء خرج إليه رجل من أهل الماء فخرج إليه رجل من أصحاب النبي صلىاللهعليهوسلم ، فقال : إلى ما تدعو؟ فقال : إلى الإسلام ، قال : وما الإسلام؟ قال : شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله ، وأن تقر بجميع الطاعة ، قال : هذا؟ قال : نعم. فحمل عليه فقتله لا يقتله إلا على الإسلام ، فنزلت : (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً) لا يقتل إلا على إيمانه الآية كلها.
قال سعيد بن جبير : نزلت في مقيس بن ضبابة قتل مسلما عمدا وارتد كافرا ، وقد ضعف هذا الوجه أبو جعفر النحاس فقال : ومن لفظ عام لا يخص إلا بتوقيف أو دليل قاطع وقد ذهب قوم إلى أنها مخصوصة في حق من لم يتب ، بدليل قوله تعالى : (إِلَّا مَنْ تابَ) والصحيح أن الآيتين محكمتان ، فإن كانت التي في النساء أنزلت أولا فإنها محكمة نزلت على حكم الوعيد غير مستوفاة الحكم ، ثم بين حكمها في الآية التي في الفرقان ، وكثير من المفسرين منهم ابن عباس وأبو مجلز وأبو صالح ؛ يقولون : فجزاؤه جهنم إن جازاه. وقد روي لنا مرفوعا ، إلا أنه لا يثبت رفعه ، والمعنى يستحق الخلود غير أنه لا يقطع له به.
وفي هذا الوجه بعد لقوله : (وَغَضِبَ اللهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ) فأخبر بوقوع عذابه كذلك ، وقال أبو عبيد : وإن كانت التي في الفرقان الأولى فقد استغنى بما فيها عن إعادته في سورة النساء فلا وجه للنسخ بحال.
ذكر الآية السادسة والعشرين :
قوله تعالى : (إِنَّ الْمُنافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ) [النساء : ١٤٥].
زعم بعض من قل فهمه أنها نسخت الاستثناء بعدها وهو قوله : (الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ) [النساء : ١٤٦] وقد بيّنا في مواضع أن الاستثناء ليس بنسخ.