موقوفا على مشيئة المكلف أو على مصلحة المكلف ، فإن كان الأول ؛ فلا يمتنع أن يريد تكليف العباد عبادة في مدة معلومة ثم يرفعها ويأمر بغيرها.
وإن كان الثاني ؛ فجائز أن تكون المصلحة للعباد في فعل عبادة زمان دون زمان. ويوضح هذا أنه قد جاز في العقل تكليف عبادة متناهية كصوم يوم ، وهذا تكليف انقضى بانقضاء زمان ، ثم قد ثبت أن الله تعالى ينقل من الفقر إلى الغنى ومن الصحة إلى السقم ، ثم قد رتب الحر والبرد والليل والنهار وهو أعلم بالمصالح وله الحكم.
فصل
والدليل على جواز النسخ شرعا ؛ أنه قد ثبت أن من دين آدم عليهالسلام وطائفة من أولاده ، جواز نكاح الأخوات وذوات المحارم والعمل في يوم السبت ، ثم نسخ ذلك في شريعة موسى. وكذلك الشّحوم ؛ كانت مباحة ثم حرّمت في دين موسى ، فإن ادّعوا أن هذا ليس بنسخ ؛ فقد خالفوا في اللفظ دون المعنى.
فصل
وأما قول من قال : لا يجوز النسخ إلا على وجه العقوبة فليس بشيء ، لأنه إذا أجاز النسخ في الجملة جاز أن يكون للرفق بالمكلف ، كما جاز للتشديد عليه.
فصل
وأما دعوى من ادّعى أن موسى عليهالسلام أخبر أن شريعته لا تنسخ ؛ فمحال. ويقال : إن ابن الراوندي (١) علّمهم أن يقولوا : إن موسى قال : لا نبيّ بعدي.
ويدل على ما قلنا ؛ أنه لو صحّ قولهم لما ظهرت المعجزات على يد عيسى عليهالسلام ، لأن الله تعالى لا يصدق بالمعجزة من كذّب موسى ، فإن أنكروا معجزة عيسى لزمهم ذلك في معجزة موسى ، فإن اعترفوا ببعض معجزاته ، لزمهم تكذيب من نقل عن موسى عليهالسلام ، لأنه قال : لا نبي بعدي. ومما يدلّ على كذبهم فيما ادّعوا ؛ أن اليهود ما كانوا يحتجّون على نبينا محمد صلىاللهعليهوسلم بكل شيء.
__________________
(١) هو : أحمد بن يحيى بن إسحاق الريوندي ، الملحد ، صاحب التصانيف في الحطة على الملة ، وله كتب في الإلحاد والزندقة ، كان أبوه يهوديا فأسلم. هلك سنة ثمان وتسعين ومائتين (٢٩٨).
أخباره في : «سير أعلام النبلاء» (١٤ / ٥٩) و «المنتظم» لابن الجوزي (٦ / ٩٩ ـ ١٠٥) و «البداية والنهاية» (١١ / ١١٢) و «النجوم الزاهرة» (٣ / ١٧٥ ـ ١٧٧) و «شذرات الذهب» (٤/٧).