النسخ ، وقد روى أبو داود السجستاني قال : سمعت أحمد بن حنبل رضي الله عنه يقول : السنة تفسر القرآن ، ولا ينسخ القرآن إلا القرآن. وكذلك قال الشافعي : إنما ينسخ الكتاب الكتاب ، والسنة ليست ناسخة له (١).
والقسم الثاني : الأخبار المنقولة بنقل الآحاد ؛ فهذه لا يجوز بها نسخ القرآن (٢) ، لأنها لا توجب العلم ، بل تفيد الظن ، والقرآن يوجب العلم ، فلا يجوز ترك المقطوع به لأجل مظنون ، وقد احتجّ من رأى جواز نسخ التواتر بخبر الواحد بقصة أهل قباء لما استداروا بقول واحد ، فأجيب بأن قبلة بيت المقدس لم تثبت بالقرآن ، فجاز أن تنسخ بخبر الواحد.
فصل
واتفق العلماء على جواز نسخ نطق الخطاب ، واختلفوا في نسخ ما ثبت بدليل الخطاب وتنبيه وفحواه ، فذهب عامة العلماء إلى جواز ذلك ، واستدلوا بشيئين :
أحدهما : أن دليل الخطاب دليل شرعي يجري مجرى النطق في وجوب العمل به فجرى مجراه في النسخ.
والثاني : أنه قد وجد ذلك ، فروى جماعة عن النبي صلىاللهعليهوسلم ، أنه قال : «الماء من الماء» (٣). وعملوا بدليل خطابه ، فكانوا لا يغتسلون من التقاء الختانين ، ثم نسخ ذلك بقوله عليه الصلاة والسلام : «إذا التقى الختان بالختان وجب الغسل أنزل أو لم ينزل» (٤). وقد حكي عن جماعة من أهل الظاهر أنه لا يجوز نسخ ما ثبت بدليل الخطاب وفحواه ، قالوا : لأن ذلك معلوم بطريق القياس ، والقياس لا يكون ناسخا ولا منسوخا ، وليس الأمر على ما ذكر ، بل هو مفهوم من معنى النطق وتنبيهه.
فصل
واتفق العلماء على أن الحكم المأمور به إذا عمل به ثم نسخ بعد ذلك ؛ أن النسخ يقع صحيحا جائزا.
__________________
(١) انظر «جامع بيان العلم وفضله» لابن عبد البر (٢ / ١١٩٤ ـ ١١٩٥ / ٢٣٥٥) ط. ابن الجوزي.
(٢) ونقل ابن عقيل في «الواضح» (٤ / ٢٩٠) رواية عن الإمام أحمد في جواز ذلك.
(٣) أخرجه مسلم (٣٤٣) وأحمد (٣ / ٢٩ ، ٣٦) وأبو داود (٢١٧) وغيرهم ، من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه. وفي الباب عن غيره من الصحابة.
(٤) أخرجه بهذا اللفظ أحمد (٢ / ٢٤٧ ، ٤٧٠) وأصله عند البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة ، وهو مروي عن عائشة رضي الله عنها. انظر تخريجه في «إرواء الغليل» رقم (٨٠).