وإلى هذا القول ذهبت عائشة رضي الله عنها ، وعلي بن الحسين ، وابن سيرين ، وعطاء الخراساني ، والسدي ، وابن زيد ، ومقاتل.
والقول الثاني : أنه لم تنسخ ، ثم اختلف أرباب هذا القول على ثلاثة أقوال :
الأول : أنه ثابت في المؤاخذة على العموم فيؤاخذ به من يشاء ويغفر لمن يشاء. وهذا مروي عن ابن عباس أيضا وابن عمر ، والحسن واختاره أبو سليمان الدمشقي ، والقاضي أبو يعلى.
والثاني : أن المؤاخذة به واقعة ، ولكن معناها اطلاع العبد على فعله السيّئ.
[٨٤] (١) ـ أخبرنا المبارك بن علي ، قال : ابنا أحمد بن الحسين بن قريش ، قال : ابنا أبو إسحاق البرمكي ، قال : ابنا محمد بن إسماعيل بن العباس ، قال : ابنا أبو بكر بن أبي داود ، قال : بنا يعقوب بن سفيان ، قال : بنا أبو صالح قال : ابنا معاوية بن صالح ، عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس رضي الله عنهما (وَإِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللهُ) قال : هذه الآية لم تنسخ ، ولكن الله عزوجل إذا جمع الخلائق يوم القيامة يقول لهم : إني أخبركم بما أخفيتم في أنفسكم مما لم يطلع عليه ملائكتي ، فأما المؤمنون فيخبرهم ويغفر لهم ما حدّثوا به أنفسهم ، وهو قوله : (يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللهُ) يقول : يخبركم به الله. وفي رواية أخرى : وأما أهل الشرك والريب فيخبرهم بما أخفوا من التكذيب وهو قوله : (فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ) [البقرة : ٢٨٤].
وقال أبو بكر : وحدّثنا محمد بن أيوب ، قال : بنا أحمد بن عبد الرحمن ، قال : بنا عبد الله بن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع بن أنس ، قال : هي محكمة لم ينسخها شيء بقوله : (يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللهُ) يقول : يعرّفه يوم القيامة أنك أخفيت في صدرك كذا وكذا فلا يؤاخذه (٢).
والثالث : أن محاسبة العبد به نزول الغم والحزن والعقوبة والأذى به في الدنيا ، وهذا قول عائشة رضي الله عنها.
والقول الثاني : أنه أمر به خاص في نوع من المخفيات. ثم لأرباب هذا القول فيه قولان :
__________________
(١) أخرجه ابن أبي حاتم (٢ / ٥٧٢ / ٣٠٥٧) وأبو عبيد في «الناسخ والمنسوخ» (٥١٢) والطبري في «تفسيره» (٦ / ١١٣ / ٦٤٨١) من طريق : أبي صالح به.
(٢) أخرجه ابن أبي حاتم (٢ / ٥٧٢ / ٣٠٥٥) من طريق : أحمد بن عبد الرحمن به. ثم أخرجه (٢ / ٥٧٤ ـ ٥٧٥ / ٣٠٦٥).