ومقتضى ذلك أنّ قاعدة لا ضرر شاملة للمحرّمات التي يكون في نفيها منّة ، كما إذا كان امتثالها محدثا لضرر أهمّ ، أو كان من الحالات التي ورد فيها التسامح الشرعي ، كما في بعض الضرورات المنصوص من قبله على إباحة بعض المحرمات لأجلها ، مثل أكل الميتة عند الاضطرار.
الرأي المختار
والأولى أن يقال : إنّ المستفاد من القاعدة ـ كما قرّبناه سبق ـ أنّ (لا ضرر) إنّما تنفي خصوص الحكم الذي يحدث امتثاله الضرر ، والمحرّمات ـ نوعا ـ لا نتصوّر في امتثالها إحداث ضرر ما.
والسرّ في ذلك أنّ امتثال المحرّم لا يكون إلّا بتركه ، والترك عدم ، فلا يتصوّر فيه غالبا أن يكون علّة إحداث نقص مادّي ، فترك شرب الخمر لا يحدث الضرر ، وإن كان شربه قد يدفع الضرر.
والحقيقة أنّ الواجبات والمحرّمات مختلفات من حيث السنخية ، فامتثال الواجب قد يحدث ضررا كما في الوضوء في شدة البرد مثلا ؛ لأنّه أمر وجوديّ يصلح أن يكون علّة لإحداث ضرر ما ، ولكن ترك الحرام لا يمكن عادة أن يحدثه ؛ لكونه عدميا.
نعم الذي يمكن تصوره في المحرّمات ـ كما أشرنا قبل قليل ـ هو أن مخالفتها قد تكون رافعة للضرر ، كما في مثال إساغة اللقمة بالخمر ، ولها قواعدها الخاصّة.
والحقيقة أنّ قاعدة (لا ضرر) ناظرة إلى رفع الضرر ابتداء ، وتلك ناظرة إلى رفعه بعد وجوده ، وهو لا يتحقّق إلا بمخالفة الحرام ، أي أنّ ارتكاب المحرّم قد يرفع الضرر بعد حدوثه.
وعلى هذا فالمحرّمات تكون خارجة بالتخصّص ؛ ولذلك خصّها الشارع بفحوى