لا تدري أنّ كلّ واحد من هؤلاء أوثق منك بطبقات ، بل أوثق من ثقات كثيرين لم توردهم في كتابك ، وهذا ممّا لا يرتاب فيه محدّث ، وأنا أشتهي أن تعرّفني من الثقة الثبت الذي ما غلط ولا انفرد بما لا يتابع عليه ، بل الثقة الحافظ إذا انفرد بأحاديث كان أرفع له ، وأكمل لرتبته ، وأدلّ على اعتنائه بعلم الأثر ، وضبطه دون أقرانه لأشياء ما عرفوها ، اللّهم إلّا أن يتبيّن غلطه ووهمه في الشيء فيعرف ذلك ، فانظر أوّل شيء إلى أصحاب رسول اللَّه صلىاللهعليهوآله الكبار والصغار ، ما فيهم أحد إلّا وقد انفرد بسنّة ، أفيقال له هذا الحديث لا يتابع عليه ، وكذلك التابعون ، كلّ واحد عنده ما ليس عند الآخر من العلم وما الغرض هذا فإنّ هذا مقرّر على ما ينبغي في علم الحديث ، و إن تفرّد الثقة المتقن يعدّ صحيحاً غريباً ، وإن تفرّد الصدوق ومن دونه يعدّ منكراً . و إنّ إكثار الراوي من الأحاديث التي لا يوافق عليها لفظاً أو إسناداً يصيّره متروك الحديث ، ثمّ ما كلّ من فيه بدعة أوله هفوة أو ذنوب يقدح فيه بما يوهن حديثه ، ولا من شرط الثقة أن يكون معصوماً من الخطايا والخطأ ، ولكن فائدة ذكرنا كثيراً من الثقات الذين فيهم أدنى بدعة أو لهم أوهام يسيرة في سعة علمهم أن يعرف أنّ غيرهم أرجح منهم وأوثق إذا عارضهم وخالفهم ، فزن الأشياء بالعدل والورع ، انتهى كلام الذهبي في الميزان (١) .
ثمّ أقول لابن تيميّة ما قاله الحافظ ابن حجر العسقلاني في أبي إسحاق الجوزجاني في لسان الميزان قال : فصل : وممّن ينبغي أن يتوقّف في قبول قوله في الجرح والتعديل من كان بينه وبين من جرحه عداوة سببها الاختلاف في الاعتقاد ، فإنّ الحاذق إذا تأمّل ثلب أبي إسحاق الجوزجاني
__________________
(١) ميزان الاعتدال ٣ : ١٤٠ .