والحقّ اضمحلالاً لا يقوم بعده أبداً ، فقد ظنّ السوء ، ونسبه إلى خلاف ما يليق بكماله وجلاله وصفاته ونعوته ، فإن حمده وعزته وحكمته و إلهيته تأبى ذلك أن يذلّ حزبه وجنده ، وأن يكون النصرة المستقرّة والظفر الدائم لأعدائه المشركين به العادلين به ، فمن ظنّ به ذلك فما عرفه ولا عرف أسماءه وصفاته وكماله ..
كذلك من أنكر أن يكون ذلك بقضائه وقدره ، فما عرفه ولا عرف ربوبيته وملكه وعظمته ..
وكذلك من أنكر أن يكون قدر ما قدره من ذلك وغيره لحكمة بالغة وغاية محمودة يستحقّ الحمد عليها ، وأنّ ذلك إنّما صدر عن مشيّة مجرّدة عن الحكمة وغاية مطلوبة هي أحبّ إليه من فوتها ، وأنّ تلك الأسباب المكروهة المفضية إليها لا يخرج تقديرها عن الحكمة لإفضائها إلى ما يحبّ و إن كانت مكروهة له فما قدرها سدىً ولا أنشأها عبثاً ولا خلقها باطلاً ، ذلك ظنّ الذين كفروا فويل للذين كفروا من النار ..
وأكثر الناس يظنّون باللَّه غير الحقّ ظنّ السوء فيما يختصّ بهم وفيما يفعله بغيرهم ، ولا يسلم من ذلك إلّا من عرف اللَّه ، وعرف أسماءه وصفاته ، وعرف موجب حمده وحكمته ، فمن قنط من رحمته وآيس من روحه فقد ظنّ به ظنّ السوء ، ومن جوّز عليه أن يعذّب أولياءه مع إحسانهم و إخلاصهم و يسوّي بينهم وبين أعدائه فقد ظنّ به ظنّ السوء ، ومن ظنّ أنّه يترك خلقه سدى معطّلين عن الأمر والنهي ولا يرسل إليهم رسله ولا ينزل عليهم كتبه بل يتركهم هملاً كأنعام فقد ظنّ به ظنّ السوء ، ومن ظنّ أنّه لن يجمعهم بعد موتهم للثواب والعقاب في دار يجازي المحسن فيها بإحسانه والمسيء بإساءته و يبيّن لخلقه حقيقة ما اختلفوا فيه