ويظهر للعالمين كلّهم صدقه وصدق رسله وأنّ أعداءه كانوا الكاذبين فقد ظنّ به ظنّ السوء ، ومن ظنّ أنّه يضيِّع عليه عمله الصالح الذي عمله خالصاً لوجهه الكريم على امتثال أمره و يبطله عليه بلا سبب من العبد ، أو أنّه يعاقبه على فعله هو سبحانه به ، أو ظنّ به أنّه يجوز عليه أن يؤيّد أعداءه الكاذبين عليه بالمعجزات التي يؤيّد بها أنبياءه ورسله و يجريها على أيديهم يضلّون بها عباده وأنّه يحسن منه كلّ شيء حتّى تعذيب من أفنى عمره بطاعته فيخلده في الجحيم أسفل السافلين ، و ينعم من استنفذ عمره في عداوة رسله ودينه فيرفع إلى عليّين ، وكلا الأمرين في الحسن سواء عنده ، ولا يُعرف امتناع أحدهما ووقوع الآخر إلّا بخبر صادق ، و إلّا فالعقل لا يقتضي قبح أحدهما وحسن الآخر ، فقد ظنّ به ظنّ السوء (١) ، انتهى .
أتراه كيف جعل حال أهل السنّة في العقيدة مطابقاً لقوله تعالى : ( ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُواْ فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنَ النَّارِ ) (٢) .
ألم تره صرّح بأنّ من نفى الحكمة والمصلحة من أفعال اللَّه وجوّز عليه العبث كان ممّن ظنّ باللَّه ظنّ السوء ، وظنّه ظنّ الذين كفروا الداخلين النار خالدين فيها ، ومعلوم لديك أنّ الأشعريّة لا يرون اشتمال أحكامه على المصالح لأنّ اللَّه تعالى يفعل ما يشاء و يحكم ما يريد ، و يلتزمون عبثاً كما نصّ المسلّم في شرحه لعبد العلي (٣) .
كذلك ذكر عبد العلي (٤) في الشرح المذكور : و يجوز نسخ وجوب
__________________
(١) زاد المعاد في هدي خير العباد ٣ : ٢٢٩ ـ ٢٣٠ .
(٢) سورة ص ٣٨ : ٢٧ .
(٣) فواتح الرحموت بشرح مسلّم الثبوت ٢ : ٦٧ .
(٤) هو عبد العلي بن محمّد بن نظام الدين محمّد الأنصاري الهندي ، المتوفّي سنة ١٢٢٥ ه . انظر إيضاح المكنون ٢ : ٤٨١ .