كلّ نداء عبادة لشمل ذلك نداء الأحياء والأموات فيكون كلّ نداء ممنوعاً مطلقاً ، وليس الأمر كذلك ، و إنّما النداء الذي يكون عبادة هو نداء من يعتقدون اُلوهيته واستحقاق للعبادة فيرغبون إليه و يخضعون بين يديه ، فالذي يوقع في الإشراك هو اعتقاد اُلوهية غير اللَّه تعالى واعتقاد التأثير لغير اللَّه تعالى ، وأمّا مجرّد النداء لمن لا يعتقدون اُلوهيته ولا تأثيره فإنّه ليس عبادة ولو كان لميت أو غائب أو جماد ، وذلك كلّه وارد في كثير من الأحاديث الصحيحة والآثار الصريحة ..
فقولهم : إنّ نداء الميّت والجماد والغائب دعاء وكلّ دعاء عبادة غير صحيح على إطلاقه وعمومه ، ولو كان كلّ نداء عبادة لامتنع نداء الحي والميّت فإنّهما مستويان في أنّ كلاًّ منهما لا تأثير له في شيء ، ولا يعتقد أحد من المسلمين اُلوهيّة غير اللَّه تعالى وتأثير أحد سواه ، فالدعاء الذي هو مخّ العبادة هو الرغبة للإله والخضوع بين يديه (١) .
وسأذكر لك كثيراً من الأحاديث والآثار التي جاء فيها النداء والخطاب للأموات والغائبين والجمادات و إن تقدّم كثير من ذلك فلا بأس بإعادته (٢) :
فمنها : حديث الضرير الذي رواه عثمان بن حنيف رضياللهعنه فإنّ فيه : يا محمّد إنّي أتوجّه بك إلى ربّك (٣) .
وتقدّم أنّ الصحابة رحمهمالله استعملوا ذلك بعد وفاته صلىاللهعليهوآله (٤) .
وحديث بلال بن الحارث رضياللهعنه فإنّ فيه : أنّه جاء إلى قبر النبيّ صلىاللهعليهوآله وقال : يا رسول اللَّه استسق لاُمّتك ، ففيه النداء له بعد وفاته ، والخطاب
__________________
(١ و ٢) خلاصة الکلام : ٣٤١ ، الدرر السنیّة ( الوهابیّة المتطرّفة ١ ) : ٣٠١ .
(٣) راجع الصفحة : ٢٠٨ .
(٤) راجع من ص ٢١٠ وما بعدها .