إخبار غيبي عن انقراض القرن وانخرامه جلاًّ لا كلاًّ ، ولذا عدّوه في الإخبار بالمغيّبات (١) ، وعقد له في الخصائص الكبرى باب إخباره بانخرام القرن (٢) ، فلا يتفرّع على هذا الحديث ما فرّعه ابن تيميّة ، ولا يدلّ الحديث على أنّ الأعمار في كلّ عصر لا تتجاوز هذا الحدّ بالطبع أو بالتكوين ، بل أقصى ما دلّ عليه أنّ هذا القرن (٣) ينخرم ، وكيف يدلّ على أنّ كلّ عصر يقتضي أن لا تتجاوز الأعمار فيه عن المائة سنه مع تجاوز كثير من أهل ذلك العصر عن ذلك ، والعلماء قد ذكروا جملة من المعمّرين في ذلك العصر كما يعلم ذلك من كتاب المعمّرين من العرب للإمام أبي حاتم سهل بن محمّد ابن عثمان السجستاني البصري المتوفّي سنة خمس وثلاثين ومائتين رواية أبي روق الهمداني (٤) فإنّه ذكر جملة من المعمّرين الذين أدركوا النبيّ صلىاللهعليهوآلهوعمّروا في عصره و بعد ذلك .
وفي كتب التواريخ وكتب النسّابين من المعمّرين في الإسلام فهو ما لو جمع لزاد على المائة كما لا يخفى على المتضلّع في التواريخ وكتب الأخبار ، ولا تعد ّ العرب معمّراً إلّا من عاش مائة وعشرين فما فوقها ،
__________________
(١) انظر تاريخ الإسلام للذهبي ١: ٣٩٨ ، إمتاع الأسماع للمقريزي ١٢١ : ٢٨٨ .
(٢) الخصائص الكبرى ٢ : ٢٤٢ .
(٣) والقرن : الحين من الدهر . وذكر الحربي الاختلاف في قدره بالسنين من عشر سنين إلى مائة وعشرين سنة ، ثمّ قال : ليس منه شيء واضح ، وأرى أنّ القرن كلّ اُمّة هلكت فلم يبق منها أحد . وقال الحسن وغيره : القرن عشر سنين . وقتادة : سبعون . والنخعي : أربعون . وزرارة بن أبي أوفى : مائة وعشرين . وعبد الملك بن عمير : مائة ، وهو اختيار صاحب القاموس قال : هو الأصح لقوله صلىاللهعليهوآله لغلام : « عش قرناً » فعاش مائة سنة . « منه » .
(٤) البصري ، النحوي ، المقرئ ، من علماء اللغة والشعر ، وقد طبع كتاب المعمّرين بمصر تحقيق محمّد أمين الخانجي فراجعه .