ومن المعلوم أن كل واحد من الأحكام مع الآخر عقلا وعرفا ، من المباينات والمتضادات ، غير الوجوب والاستحباب ، فإنه وإن كان بينهما التفاوت بالمرتبة والشدة والضعف عقلا إلّا أنهما متباينان عرفا ، فلا مجال للاستصحاب إذا شك في تبدل أحدهما بالآخر ، فإن حكم العرف ونظره يكون متبعا في هذا الباب.
______________________________________________________
الفعل بين الحرام والمكروه والمستحب والمباح بالمعنى الأخص.
نعم لو علم من الخارج أنّ الفعل المزبور لا يناسب الحرمة يحرز كونه جائزا بالمعنى الأعم ولكن هذا ليس من دلالة الدليل أي خطاب الناسخ أو خطاب المنسوخ في شيء.
ويمكن أن يقال : إنّ خطاب المنسوخ أو الناسخ لا يدلان على شيء من الأحكام الأربعة فيما كان الوجوب الثابت سابقا مدلولا وضعيا لخطاب المنسوخ بأن كان خطاب المنسوخ ، من قبيل قوله «إنّ الله فرض عليكم الفعل الفلاني» ثمّ ورد بعد مضي فترة من العمل به خطاب مفاده «لا فرض فيه بعد اليوم أو لا وجوب فيه بعد ذلك» ـ فيما لو اريد بالوجوب الطلب الذي لا ترخيص فيه ـ فنفس خطابي المنسوخ والناسخ لا يدلّان على حكم ذلك الفعل بعد النسخ بالدلالة اللفظية وإلّا فالإطلاق المقامي بعد بيان خطاب الناسخ مقتضاه عدم ثبوت التحريم في ذلك الفعل إذ لو كان الفعل محرّما لكان على الشارع بيانه عند رفع الزامه السابق بالفعل.
ولعل القائل بجواز الفعل بعد نسخ وجوبه أراد كون الجواز بالمعنى الأعم مقتضى الإطلاق المقامي ، وإن عبّر عن ذلك بوجه عليل من أنّ ثبوت الجواز في الفعل سابقا مع المنع من الترك ، وخطاب الناسخ يدلّ على ارتفاع الإلزام أي طلب الفعل بنحو لا يجوز تركه ولا يرفع جواز الفعل.
والوجه في كونه عليلا أنّ خطاب المنسوخ لم يكن دلالته على جواز الفعل