قلت : فيه أنّ الإرادة تتعلق بأمر متأخر استقبالي ، كما تتعلق بأمر حالي ، وهو أوضح من أن يخفى على عاقل فضلا عن فاضل ، ضرورة أن تحمّل المشاق في تحصيل المقدمات ـ فيما إذا كان المقصود بعيد المسافة وكثير المئونة ـ ليس إلا لأجل تعلق إرادته به ، وكونه مريدا له قاصدا إيّاه ، لا يكاد يحمله على التحمل إلّا ذلك ، ولعلّ الذي أوقعه في الغلط ما قرع سمعه من تعريف الإرادة بالشوق المؤكد المحرّك للعضلات نحو المراد ، وتوهم أنّ تحريكها نحو المتأخر ممّا لا يكاد ، وقد غفل عن أن كونه محركا نحوه يختلف حسب اختلافه ، في كونه مما لا مئونة له كحركة نفس العضلات ، أو ممّا له مئونة ومقدمات قليلة أو كثيرة ، فحركة العضلات
______________________________________________________
وحاصل الوجه الأوّل : أنّ الإرادة التكوينية أيضا تتعلّق بأمر استقبالي وتنفكّ عن المراد بحسب الزمان ، كما إذا تعلّقت بأمر يكون موقوفا على مقدّمات يحتاج في تحصيلها إلى طول الزمان ، كإرادة الوصول إلى مرتبة الاجتهاد واستنباط الأحكام من مداركها ، فإنّ الشوق إليه الحادث للنفس يدعو إلى تحمّل المشاقّ في تحصيل مقدّماته ليحصل له الغرض بعد سنين ، ولو كان حدوث الشوق إلى الاجتهاد بعد حصول مقدّماته لما كان كلّ مريد للاجتهاد متحمّلا للمشاقّ من تحصيل المقدّمات ، فحركة العضلات المعتبرة في الإرادة التكوينية نحو المراد أعمّ من أن تكون نحو نفس المراد أو نحو مقدّماته.
وحاصل الوجه الثاني أنّه يمكن انفكاك إرادة الفاعل عن مراده بأن لا تتحرّك عضلاته نحو المراد ولا نحو مقدّماته لكون المراد وما اشتاق إليه كمال الاشتياق أمرا استقباليا غير محتاج إلى تهيئة مقدّمة ، فيكون غرضهم من توصيف الإرادة والشوق المؤكّد بكونها محرّكة للعضلات بيان المرتبة من الشوق الذي تسمّى إرادة ، ضرورة إمكان كون اشتياق الإنسان إلى أمر استقبالي أقوى وآكد من الشوق المحرّك فعلا نحو