هذا مع أنّه لا يكاد يتعلّق البعث إلّا بأمر متأخر عن زمان البعث ، ضرورة أن البعث إنما يكون لإحداث الداعي للمكلّف إلى المكلف به ، بأن يتصوره بما يترتب
______________________________________________________
الشوق إلى مرتبة الإرادة ، فإرادة المولى تتعلّق ببعثه ، وهذا البعث لا يترتّب عليه انبعاث العبد إلى الفعل بنحو القهر والغلبة ، فإنّه خلاف الفرض ، بل لا بدّ من أن يكون بنحو يترتّب عليه إمكان انبعاثه.
وبتعبير آخر ما تعلّق به شوق المولى وميله هو الفعل الاختياري للعبد ، ولو كان بعث المولى إلى فعله بنحو القهر والإجبار لكان ذلك بعث إلى غير ما اشتاق إليه ، فلا بدّ من أن يكون بعثه على نحو يترتّب عليه إمكان انبعاث العبد فيما لو كان منقادا ، والمفروض في الواجب المعلّق عدم ترتّب الانبعاث عند تحقّق البعث مع فرض انقياد العبد ، فلا يكون بعث المولى بعثا حقيقة ولو إمكانا (١).
أقول قد تقدّم سابقا وكرارا أنّ إرادة المولى لا تتعلّق بالبعث الخارجي الحقيقي ، فإنّ البعث الخارجي الحقيقي قهر على الغير لا ينفكّ عن الانبعاث الخارجي ولا يتحقّق بدونه ، كما لا يتحقّق الكسر بلا انكسار ، وإنمّا تتعلّق إرادته بالبعث الخارجي الاعتباري ، وإذا كان البعث اعتباريا فيمكن أن ينشأ البعث معلقا على أمر استقبالي بنحو الشرط المقارن أو غيره نظير الوصية التمليكية ويمكن أن ينشأ البعث مطلقا ويقيّد المبعوث إليه بأمر استقبالي ، فإنّ الاعتبار غير التكوين ، غاية الأمر فاللازم في موارد إطلاق البعث هو أن يكون لإطلاقه أثر حتّى لا يلحق إطلاقه بأنياب الأغوال ولئلّا يكون الاعتبار فيه لغوا ومجرّد فرض وخيال ، والمفروض في موارد إطلاقه واستقبالية متعلّق البعث والطلب حصول الأثر ، ولو كان الأثر تهيّؤ
__________________
(١) نهاية الدراية : ٢ / ٧٣.