فهيّأت ما يقتضيه (١) مسافرتنا ، ثمّ قبل أن نتحرك بأيّام عثر على عزمنا بعض الأصحاب فمنعوني! فاعتذرت بأ نّي ناذر ذلك .. فألحوا عليّ بالاستخارة .. فاستخرت الله تعالى على أخذه قدّس سرّه ومن معه إلى هذا السفر .. فاستخرت وإذا في صدر الصفحة قوله تعالى : (وَلَقَدْ أَوْحَيْنا إلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي فَاضْرِبْ لَهُم طَرِيقاً فِي الْبَحْرِ يَبَساً لا تَخافُ دَرَكاً ولا تَخْشى) (٢) واستخرت على الترك ـ بإلزامهم ـ فإذا في أوّل الصفحة قوله جلّ من قائل : (لِيَكْفُرُوا بِمَا آتَيْنَاهُمْ ولِيَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ) (٣) ثمّ أصرّ آخرون على استخارة أخرى على الترك! فإذا في صدر الصفحة قوله جلّ شأنه : (إنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ * وَلَوْ جاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٌ حَتّى يَرَوُا الْعَذابَ الأَلِيمَ) (٤) فجزمنا بالممشى [كذا] .. ومشينا لأربع ساعات خلون من يوم الثلاثاء رابع شهر محرّم الحرام سنة ألف ومائتين واثنتين وعشرين إلى مسجد السهلة ، ثمّ إلى كربلاء المشرّفة ، وتوجهنا من كربلاء يوم الحادي عشر ووردنا الكاظمين (ع) خفاءً حذراً من الازدحام ، وقد كان أهل البلدة مستغيثين إلى الله تعالى من عدم الأمطار ، فحين ورودنا أمطرت السماء مطراً غزيراً فوق ما يحتاجون إليه ، فعدّ من اطلع على وروده قدّس سرّه ذلك من كراماته .. وبقينا هناك يومين وتحركنا يوم الرابع عشر من محرّم الحرام ..
وبيان تفصيل هذا السفر يحتاج إلى كتاب مستقل ، ومجمله ; أنّا ما وردنا قرية ولا مررنا بأهل بادية إلاّ وقد استقبلونا وأتوا بذبائح من غنم وبقر ، وما وردنا بلدة أو قرية وفيها حاكم أو متموّل إلاّ وقد أتانا بهديّة من دنانير
__________________
(١) الظاهر : تقتضيه.
(٢) سورة طه (٢٠) : ٧٧.
(٣) سورة العنكبوت (٢٩) : ٦٦.
(٤) سورة يونس (١٠) : ٩٦ ـ ٩٧.