ويمكن أن يناقش من جهة أُخرى ، وهو أنّ ما دل على الاكتفاء بالظن مع الشك وارد في غير الأوّلتين كما يعلم من التتبع ، وما قد يتناول الأوّلتين ستسمعه (١) ، وسنده محل تأمّل ؛ والإجماع على الظن منتفٍ ، فإنّ المنقول عن ابن إدريس فيما قاله الشهيد رحمهالله في الذكرى أنّ الظاهر من كلامه اعتبار الظن فيما عدا الأوّلتين (٢) ؛ إلاّ أن يقال : إنّ كلام ابن إدريس لا يضرّ مع مخالفته لفتوى الأصحاب كما قاله الشهيد في الذكرى أيضاً ، وفيه ما لا يخفى ، من حيث إنّ اطلاع الشهيد على أقوال جميع العلماء على وجه يتحقق الإجماع في زمانه يعدّ من الأُمور الممتنعة عادةً.
ومن عجيب ما اتفق للشهيد رحمهالله في الذكرى أنّه قال في ردّ قول ابن إدريس : إنّ فيه تخصيصاً لعموم الأدلة مع مخالفة فتوى الأصحاب. والحال أنّ عموم الأدلّة لم نقف عليه ؛ إذ الأخبار كما ذكرناه واردة في الأخيرتين.
نعم ذكر في أدلته رحمهالله أنّ تحصيل اليقين عسر في كثير من الأحوال ، فاكتفي بالظن تحصيلاً لليسر ودفعاً للحرج ، وبما رواه الجمهور عن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم أنّه قال : « إذا شك أحدكم في الصلاة فلينظر أحرى ذلك إلى الصواب فليبن (٣) عليه ».
وما روي عن الصادق عليهالسلام بعدة طرق أنّه قال : « إذا وقع همك على الثلاث فابن عليه ، وإن وقع وهمك على الأربع فسلّم وانصرف » (٤).
وأنت خبير بأنّ مثل هذه الأدلة لا تصلح لإثبات العموم المانع من
__________________
(١) في ص ١٨٣٧.
(٢) الذكرى : ٢٢٢ ، وهو في السرائر ١ : ٢٥٠.
(٣) في « رض » : فليبيّن ، وفي « فض » : فليمض.
(٤) الذكرى : ٢٢٢.