فأطرق هشام طويلا ثمّ رفع رأسه فقال : سل حاجتك. فقال : خلّفت أهلي وعيالي مستوحشين لخروجي. فقال : قد آنس الله وحشتهم برجوعك إليهم ، ولا تقم ، سر من يومك. فاعتنقه أبي ودعا له وودّعه ، وفعلت أنا كفعل أبي ، ثمّ نهض ونهضت معه ، وخرجنا وانصرفنا الى المنزل الذي كنا فيه ، فوافانا رسول هشام بالجائزة وأمرنا أن ننصرف الى المدينة من ساعتنا ولا نحتبس. وكتب الى عامل المدينة أن يحتال في سمّ أبي في طعام أو شراب ، فمضى هشام ولم يتهيأ له في أبي من ذلك شيء (١) وقال عبد الله بن عطاء المكّي : ما رأيت العلماء عند أحد قطّ أصغر منهم عند أبي جعفر محمّد بن عليّ بن الحسين عليهمالسلام. ولقد رأيت الحكم بن عيينة ـ مع جلالته في القوم ـ بين يديه كأنّه صبيّ بين يدي معلّمه (٢).
وكان جابر بن يزيد الجعفيّ إذا روى عنه شيئا قال : حدّثني وصيّ الأوصياء ووارث علم الأنبياء محمّد بن عليّ بن الحسين عليهمالسلام (٣).
وروى أبو بصير عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : كان زيد بن الحسن بن زيد يخاصم أبي في ميراث رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ويقول : أنا من ولد الحسن وأولى بهذا منك لأنّي من الولد الأكبر فقاسمني ميراث رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وادفعه إليّ. فأبى أبي ، فخاصمه الى القاضي ، وكان يختلف معه إليه زيد بن عليّ ، فبيناهم ذات يوم كذلك في خصومتهم إذ قال زيد بن الحسن لزيد بن عليّ : اسكت يا بن السنديّة. فقال زيد : افّ لخصومة تذكر فيها الامّهات ، والله لا كلّمتك بالفصيح من رأسي أبدا حتى أموت. وانصرف الى أبي فقال : يا أخي حلفت بيمين ثقة بك ، وعلمت أنّك لا تكرهني ، حلفت أن لا اكلّم زيد بن الحسن ولا اخاصمه. وذكر ما كان بينهما. فأعفاه أبي ، واغتنمها زيد بن الحسن وقال : يلي خصومتي محمّد بن عليّ فأعنته وأوذيه. فعدا على أبي فقال : بيني وبينك القاضي. فقال : انطلق بنا.
__________________
(١) دلائل الإمامة : ص ١٠٤ ـ ١٠٩.
(٢) المناقب لابن شهرآشوب : ج ٣ ص ٣٣٤.
(٣) الإرشاد : ص ٢٨٠.