المُقدَّمةُ
الحمد لله الذي جعل العلماء ورثة الأنبياء والصلاة والسلام علىٰ خير أهل الأرض والسماء محمّد وآله سادة الأوصياء.
على فترة من الرسل وفي بقعة من الأرض قاسية في جميع مجالاتها وبين ثلّة من البشر تعيش جاهلية مدقعة وتنعدم فيها الحضارة والتعليم وفي ظلام حالك ما بعده ظلام انبثقت شمس الإسلام العظيم برائده محمّد بن عبداللّه صلىاللهعليهوآله فجاء بدين إلهي هو خاتم الأديان ، ورسالة سماوية هي أكمل الرسالات وفكر وثقافة ونظم تبهر العقول ، ومنهج متكامل جذب القلوب والأبصار ، فحوّل ذلك الظلام إلى نهار وتلك الأرض اليباب إلى واحة خضراء. وإذا بأولئك البشر الجهلاء يتألّقون في مجالات شتىٰ. حيث زوّدهم الدين الجديد معرفياً برؤية كونية منطقية متميزة من خلال تفسيره للمبدأ والمعاد والغاية من وجود العالم والإنسان وبهذا أخرج الانسان من براثن الخرافة والجهل حيث كان يعتقد بأن العالم وجد صدفة أو أنه بلا غاية عقلائية حكيمة. وزودهم تشريعياً بأكبر وأشمل منظومة تشريعية وقانونية غطّت جميع مجالات الحياة الإنسانية ووضعت لكل موضوع حكماً وقانوناً ، فقد نظّمت للإنسان علاقته بخالقه وما يجب عليه فعله في أيام حياته من صلاة وصيام وحج وزكاة وغيرها من العبادات. ونظّم لهم المعاملات من بيع وشراء واجارة وشركة وغيرها. وعلى الصعيد الاجتماعي ، فصل هذا الدين الجديد أحكام الزواج والطلاق والنسب والأولاد وغيرها. بل وشمل التشريع المجالات المتعلّقة بالطبيعة والحيوان والمأكل والمشرب والمسكن وتميّزت تشريعاته بمنظومة قانونية وجزائية أرست دعائم العدل وحقوق الناس ، وبكلمة جامعة لم يدع هذا الدين مجالاً من مجالات حياة الإنسان إلّا وقد جعل له حكما ونظماً وقانوناً.
والفقه
الإسلامي هو الذي يستطيع بلورة هذه المنظومة العظيمة ويجعلها مرنة ومتحرّكة تنعطف بانعطاف الزمان والمكان وتسير مع الإنسان أين ما سار ، فقد استلهم الفقهاء من زمن الغيبة الصغرى وإلى اليوم من أسس هذه الشريعة التي ابتدأ غرس