لم يبعد كلّ البعد عن الواقع ، فعلى هذا فالمبدأ هو الملحوظ بذاته من غير نظر إلى شيء من اعتباراته ، والمشتق هو المبدأ مع لحاظها معه.
وبهذا يظهر الفرق بينهما من غير حاجة إلى تلك التطويلات المملّة ، والعبائر المفصّلة التي فهمها أشكل من فهم أصل المسألة.
ويظهر أيضا السرّ في عدم صحّة حمل المبدأ على الذات ، وصحة حمل المشتق عليه ، إذ من الواضح أنّ المبدأ بما هو مبدأ مباين مع الذات ، فمفهوم القيام غير ( زيد ) ولكنّه عين ( زيد ) باعتباره الفاعلي ، وعين ( عمرو ) باعتباره المفعولي ، وهكذا.
ثم إنّ الاعتبارات التي تعتور الموادّ ذات أنواع شتّى ، وأكثر الأنواع له أصناف بها تحصل للمشتق أبواب مختلفة ، ويبتنى منها صيغ مختلفة ، فإن لوحظ المبدأ باعتبار ثبوته للشيء فقط كالحسن والقبيح فهو باب الصفة المشبّهة.
وإن كان معه اعتبار الكثرة والشدّة ونحوهما ، فهو معنى صيغ المبالغة كالشرّيب والقتّال ونحوهما ، وعكسه باب التصغير بحسب أصل الوضع لا ما يؤتى منه للتعظيم ببعض العنايات.
وإذا بلغت الشدّة مرتبة تورث التعجّب ، فهي باب أفعال التعجّب ، وينبغي التأمل في عدّ هذا الباب من الأفعال ، مع أنه ألصق بالأسماء ، ولا يوجد فيه شيء من العلائم اللفظيّة والمعنويّة للفعل ، اللهم إلاّ ببعض التأويلات المذكورة في محلّها.
وإذا وجدت المادّة في شيئين ، وكانت في أحدهما أشدّ من الآخر كان باب أفعل التّفضيل.
ومنه يظهر التقارب بين صيغ المبالغة وبينه ، إذ لا فرق بينهما ، إلاّ أنّ تلك الصّيغ موضوعة للأشديّة المطلقة ، وباب ( أفعل ) للأشديّة النسبيّة.
وإن كان باعتبار صدوره ، فإن لم يعتبر فيه الوقوع على الغير ، والزّمان