خروج بعضها عن الأصل ، لخصوصيّات لبعض الموادّ ، أو عنايات خارجيّة في بعض الاستعمالات ، واستقصاء ذلك متعسّر ، بل متعذّر ، ومع ذلك فليس من وظائف هذا الكتاب.
هذا ، وقد كان السيّد الأستاذ قدّس الله تربته وشرّف رتبته ، يقول ـ عند ذكر بعض هذه الأقسام ـ : إنّها إنّما تكون بالنظر إلى كلّية الأبواب ، فلا ينافي وجود مادّة من الموادّ غير قابلة لتمام تلك الاعتبارات ، إذ لم يستعمل بعضها في اللّغة ، أو صرّح بعدمه علماؤها.
قلت : توقف صحّة الاستعمال على السّماع ينافي ما أسّسه رحمه الله من الوضع النّوعي للهيئات ، بل مقتضاه جوازه ، حتّى مع منع الواضع عنه ، لما عرفت سابقا في مبحث معاني الحروف ، من عدم معقوليّة شرط الاستعمال.
وبالجملة مجرّد عدم الاستعمال ، بل ومجرّد منع اللّغويّين عن بعض الهيئات في بعض الموادّ لا يوجب عدم قابليّة المادّة ، بل لا بدّ أن يكون كلّ من عدم الاستعمال أو المنع مسبّبا عن قصور في نفس المادّة أو الوضع.
أما الأول فمثاله : المساجلة ، فإنّها بمعنى المفاخرة (١) ، ولا تستعمل من غير باب المفاعلة ، والسر فيه أنّ السجل في اللّغة بمعنى الدّلو العظيمة (٢) ، ولا مناسبة بين الدّلو والفخر حتّى يطّرد القياس ، ويتأتّى منه جميع الهيئات ، وإنّما المناسبة المصحّحة للاستعمال في خصوص هذا الباب (٣) ، أنّ المتفاخرين لمّا كان كلّ منهما إذا أتى بمكرمة لنفسه أو منقبة لعشيرته عارضه الآخر بمثله ، ونزح من ركيّ مكارمه دلوا كدلوه ، كانا كالمتساجلين ، يمتح (٤) هذا دلوا والآخر أخرى.
__________________
(١) راجع لسان العرب ١١ : ٣٢٦.
(٢) لسان العرب ١١ : ٣٢٥.
(٣) أي : باب المفاعلة. ( مجد الدين ).
(٤) الماتح : المستقي من البئر. من أعلاها. لسان العرب ٢ : ٥٨٨.