الأوّل : قد مرّ القول في معنى الفعل إجمالا ، ونزيده توضيحا ، ونقول : مدلول الفعل هو الحدث المقيّد بالزمان ، والنسبة إلى فاعل مّا على نحو دخول التقييد ، وخروج القيد ، فمدلول الفعل مركّب من أمرين : نفس الحدث ، والتقييد ، بل إطلاق التركيب عليه مسامحة ، لأنّ ذلك التقييد ليس أمرا مغايرا للحدث ، بل هو من خصوصيّاته وحدوده ، فمدلوله حقيقة هو الحدث الخاصّ كالمصدر وسائر المشتقّات ، فجميعها مع اشتراكها في معنى الحدث يتمايز بتمايز الخصوصيّات ، ويتباين بتباين القيود.
إذا عرفت ذلك عرفت أنّ دلالة الفعل على الزمان ليس بالتضمّن ، كما يظهر من جمهور علماء العربية ، لخروج الزمان ـ بداهة ـ عن مدلوله ، وإنما هو بالالتزام البيّن بالمعنى الأخصّ ، لأنّ مدلوله لمّا كان الحدث المقيّد بالزمان فتصوّره يتوقّف على تصوّر الزمان ، كما في العمى والبصر ، إذ العمى لمّا كان موضوعا لعدم البصر ممّا هو من شأنه ، فتصوّر العمى موقوف على تصوّر البصر ، وبهذا تمتاز دلالة الفعل على الزمان عن دلالته على المكان ونحوه ، مع اشتراك الكلّ في اللزوم العقلي ، إذ دلالته على الزمان دلالة لفظية من القسم الثالث من أقسامها ، بخلاف المكان ، فإنّ دلالته عليه عقليّة صرفة.
هذا وأما دلالته على التقييد بالزمان ، لا على نفس الزمان يكون تضمّنيّا لأنه من أجزائه العقلية ، وإن لم يكن من أجزائه الخارجية.
هذا إن قلنا بوجود الدلالة التضمنية ، وتثليث أقسام الدلالات بها ، كما هو المشهور ، وأمّا على ما هو التحقيق من إنكار دلالة الكلّ على الأجزاء دلالة مستقلّة تعدّ في قبال المطابقة ، فلا وجود لهذا القسم من الدلالة أصلا ، كما حقّقه السيد الأستاذ طاب ثراه ، ويأتي تفصيله ـ إن شاء الله ـ في بحث وجوب الأجزاء من مباحث مقدّمة الواجب.
وإجمال الكلام فيه أنّ التركيب بين الأشياء المتباينة لا يتحقق إلاّ بلحاظ