عدم تصوّره انتزاع البسيط من المركّب ، وزعمه عدم إمكان ذلك ، كما هو الظاهر ، فعلينا بيان إمكانه ، وإن كان نزاعه في مقام الإثبات فبيننا وبينه التبادر ، ويأتي بيانه قريبا إن شاء الله.
ونقول في تقريب إمكان الانتزاع المذكور : إنّ للعقل أن ينتزع من عدّة أمور مقيّد بعضها ببعض ، مفهوما بسيطا لا تركيب فيه أصلا ، ألا ترى أنّ المفهوم من لفظ ( الحجر ) معنى بسيط ، مع أنه منتزع من ذات ثبت له الأبعاد الثلاثة ، أو أمكن أن تتقاطع فيه ثلاثة خطوط على زوايا قائمة صلب لا نموّ له أصلا ولا نطق ، وهكذا معاني سائر الألفاظ.
وبالجملة فالمفاهيم المنتزعة بإزاء الأنواع الذاتيّة بناء على كونها أجناسا لما تحتها ليس اختلافها إلاّ باعتبار الخصوصيّات المتبادلة ، أي الفصول المقوّمة ، مثلا : الفرق بين النبات والحيوان ليس إلاّ أنّ مفهوم الأول منتزع من جسم ذي نموّ بلا إرادة ، والثاني من جسم نام مع الإرادة ، وهكذا ، ولو كان مثل ذلك موجبا للتركيب لانحصرت البسائط في المختلفات بتمام الحقيقة كالجوهر والكمّ مثلا ، ويكون تمام الأجناس الداخلة تحت الأجناس العالية مركّبات مفهوما ، وهذا ممّا لا يلتزم به أحد.
فإذا جاز ذلك في سائر المفاهيم جاز في المشتق أيضا ، بل الجواز فيه أولى لأنه منتزع من صرف التلبّس بأحد المبادئ ، بخلاف المفاهيم فإنها تنتزع من عدّة أمور.
ثم نقول في مقام الإثبات : إنّ مفهوم المشتق مطابق لأوّل ما ينطبع في مرآة الذهن من ملاحظة المبدأ المعنون بأحد العناوين ، وتلتفت إليه النّفس ، ولا شك أنّه معنى بسيط ، فمن نظر إلى النجم لا يرى في بدء النّظر جسما ونورا مرتبطين ، ولا شيئا ثالثا مركّبا ، بل يرى جسما معنونا بعنوان النورانيّة ، وكذلك من رأي فرسا راكضا لا يرى إلاّ الفرس المعنون بعنوان الركض ، لا فرسا وركضا ، ولا