في المأمور به ، لزم أن يكون الأمر محرّكا إلى محرّكيّة نفسه ، وداعيا إلى كونه داعيا ، وهذا الوجه ذكره السيد ـ طاب ثراه ـ ولم يعترض عليه بشيء ، فكأنّه ارتضاه.
وإني أرى أنّ استحالة أخذ الأمر وكلّ ما ينشأ من قبله ، أو يضاف إليه في موضوع المأمور به ، أوضح من أن يحتاج إلى البرهان ، وكان يغني عن جميع ما ذكر كلمة واحدة صدّر بها الوجه الأوّل ، وهو تأخّر الحكم من الموضوع رتبة ، إذ من الواضح لزوم كون القيد والمقيد في مرتبة واحدة بحيث يتمكن الآمر من النّظر إليهما معا بلحاظ واحد ، وطلب أحدهما مقيّدا بالآخر ، والحكم لتأخّره الرّتبيّ لا يتصوّره الذهن إلاّ بعد تصوّر موضوعه ، ولهذا امتنع تعليق الأمر على كلّ من الإطاعة والعصيان ، وامتنع الحكم بقيد الشك في ذلك الحكم بعينه ، أو بقيد الظنّ به كما يأتي بيانه في الترتّب الّذي هو مذهبه في الجمع بين الأحكام الظاهريّة والواقعيّة.
وبالجملة لا بدّ للحكم من موضوع مستقلّ بنفسه متصوّر قبل الحكم ، لكي يعرضه الحكم.
وأمّا صياغة الموضوع من الحكم ، فإن لم يكن دورا اصطلاحيّا فهو ( أخوه غذته أمّه بلبانه ) بل هو أوضح فسادا من الدّور ، ولا يمكن إصلاحه بما ذكره في الجواب عن الدّور ، كما لا يخفى.
وأمّا كون قصد الأمر دخيلا في الغرض لا في المأمور به ، فبيانه أنّ الأمر متوجّه إلى الفعل من غير تقييد بقصد الأمر ، ولكن الغرض لا يحصل إلاّ بإتيان الفعل بداعي الأمر ، والعقل إذا اطّلع على أخصيّة الغرض ، وكون الطّلب أوسع دائرة من المطلوب ، يحكم بلزوم الإتيان بالفعل على نحو يحصل به الغرض ، فإذا أتى به بغير داعي الأمر لم يحصل الغرض ، فلم يسقط الأمر ، لأن الغرض كما صار سببا لحدوث الأمر ، يكون سببا لبقائه ، كذا قيل.
وفيه : إنّ بقاء الأمر مع الإتيان بالمأمور به مستلزم لعدم إجزاء الأمر