وإن شئت زيادة عليه فانظر إلى ما نذكره في الجواب عن شبهات المنكرين لها ، وحيث إنّ كلام الأستاذ في الكفاية قد بلغ في ذلك الغاية ، وأتى مؤلّفها بما قصرت عنه أفكار موافقيه رأيت الاكتفاء به وبيان ما يتّجه عليه ، وهذا لفظه :
« ما هو ملاك استحالة طلب الضدّين في عرض واحد آت في طلبهما كذلك ، فإنه وإن لم يكن في مرتبة طلب الأهم اجتماع طلبهما ، إلاّ أنه كان في مرتبة الأمر بغيره اجتماعهما بداهة فعليّة الأمر بالأهمّ في هذه المرتبة ، وعدم سقوطه بعد بمجرّد المعصية فيما بعد ما لم يعص ، أو العزم عليها مع فعلية الأمر بغيره أيضا ، لتحقق ما هو شرط فعليّته فرضا » (١).
أقول : قد عرفت في المقدّمة الثالثة أنّ طلب الضدّين ليس من المستحيل الذاتي ، وإنّما المستحيل وقوعه من الحكيم ما لزم منه التكليف بغير المقدور ، وآل إلى طلب المحال ، فإن لزم منه ذلك امتنع.
ولو كان الفعلان متباعدين بحسب الزمان ، كما لو أمره بالحج في شهره ، وبالإطعام في شهر الصيام ، وليس له من المال ما يفي بهما معا ، وإن لم يلزم ذلك جاز ولو في زمان واحد.
وبالجملة اتّحاد الزمانين وتعدّدهما لا مدخلية لهما في المحذور المذكور ، وعلى ما تصوّرناه من ترتب الأمرين لا يلزم ذلك أصلا ، إذ الأمران وإن كان يجمعهما زمان واحد ولكن لا تجمعهما رتبة واحدة ، لأن أحدهما مشروط بعصيان الآخر ، ومعناه عدم تحقّق مؤدّاه ، وعدم تأثيره ، وعدم قابليته للتأثير ، وذلك مرتبة متأخرة عن نفس الأمر ، بل هي مرتبة انعزاله عن مقتضاه ، وعدم صلاحيته للتأثير ، وهذه المرتبة مرتبة الواجب المشروط ، فكيف يكون في مرتبة الأمر الأول وهو متأخر
__________________
(١) كفاية الأصول : ١٣٤.