وظاهر لدى من راجع وجدانه وقاس المقام إلى أمثاله أنّ مثل ذلك يوجب الاطمئنان بجميع الأخبار ، لا سيّما إذا عرفت عدّة من ذلك الشاذ النادر بإعراض الأصحاب ، أو مخالفتها لضرورة المذهب ونحوهما ، وضعف الظنّ فيه بصنوف الموهنات ، وتأيّد الأكثر بالقرائن الكثيرة من تعاضد بعضه لبعض ، وموافقته لأصول المذهب ، وتكرّره في الأصول ، ووقوعه عند الطائفة موقع القبول ، إلى غير ذلك من ضروب المؤيّدات.
ثم إنّ دعوى عدم الشك فيما ذكر لا يجتمع مع هذا التضييق الشديد ، أعني تخصيص الحجّية بخبر العدل ، أو الثقة الثابت عدالته ووثاقته بالقطع ، أو الشياع والبيّنة ، إذ الحجّة المطلوبة في المقام هي الوافية بجميع الأحكام أو أكثرها ، ونحن نعلم أنّ هذه الأخبار التي بأيدينا اليوم هي تلك الموجودة في الزمان السابق ، ورواتها من عرف أكثرهم بالضدّ ممّا قال ، كما هو واضح لدى المتضلّع بعلم الرّجال.
واحتمال أنّ في الصدر الأول كانت روايات كثيرة كافية رواتها غير هؤلاء الرّواة المعروفين لم يصل إلينا رواياتهم ولا حالاتهم احتمال سوفسطائي ، لا يحنث الإنسان إذا حلف على بطلانه بغموس الأيمان.
هذا وما ذكره أخيرا من منع حجّية الاتّفاق العملي ، قد مرّ الكلام عليه فيما سبق.
عاد كلامه : « وثالثا : سلّمنا نصب الطريق ووجوده في جملة ما بأيدينا من الطرق الظنّية من أقسام الخبر ، والإجماع المنقول ، والشهرة ، وظهور الإجماع والاستقراء والأولويّة الظنّية ، إلاّ أنّ اللازم من ذلك هو الأخذ بما هو المتيقّن [ من هذه ] (١) فإن وفي بغالب الأحكام اقتصر عليه ، وإلاّ فالمتيقّن من الباقي ، مثلا :
__________________
(١) زيادة من المصدر.