وأمّا قوله : « مع أنّ اختصاص التكليف الفعلي » إلى آخره فهو منه عود على بدء ، وقد عرفت الجواب عنه.
ولله قوله : « ومرجع القطعين عند التحقيق إلى أمر واحد » (١) إلى آخره ، فما أوجزه وأجمعه لما يفلّ (٢) به حدّ الخصم ، ويدحض حجّته ، فبحصره التكاليف الفعلية في مؤدّيات الطرق أخرج غيرها من الأحكام من طرفية العلم الإجمالي فكان جوابا إجماليا مختصرا عن تطويلاتهم في بيان أنّ مقتضاه الاحتياط في جميع المحتملات.
وبحصره الحجّة في أمور مخصوصة أخرج غيرها من الطرق ، ودفع وجوب الاحتياط في مؤدّياتها ، وبلزوم التنزل إلى العمل بما يظن حجّيته ، وحكم العقل القطعي بحجّيته حال انسداد باب العلم إلى تعيينها بالقطع سدّ أبوابا للاعتراضات الاخر ، فكانت النتيجة هو القطع بحجّية الكتاب والسنّة مقطوعهما ومظنونهما فقط ، فتمّ له ما حاوله من حجّية الظنّ الخاصّ الّذي عليه عامة علماء الشيعة وخواصّهم ، سوى قليل من متأخّري المتأخّرين ذهبوا إلى حجّية مطلق الظن قولا لا عملا ، فانظر كيف قلب الدليل على القائل بالظن المطلق ، وأبان صباح الحق من داجي ليل دليل الانسداد ( هكذا هكذا وإلاّ فلا ).
واعلم أنّ جميع ما مرّ من أول البحث إلى هنا وجميع الاعتراضات الموردة على كلام الفصول ممّا تعرّضنا له أو أعرضنا عنه مبني على أن يكون المراد من الانسداد المأخوذ في تقريره هو الانسداد في غالب الأحكام ، بمعنى ملاحظة الأحكام جملة ، وإثبات انسداد باب العلم إلى أكثرها على ما هو مأخوذ في التقرير المعروف ، وعليه يقع الاحتياج إلى إبطال الرجوع إلى البراءة وإلى الاحتياط ، وتبنى الاعتراضات على هذا الكلام ممّا يكون مقتضى الأصول المقرّرة للعلم
__________________
(١) الفصول الغرويّة : ٢٧٧.
(٢) فلول السيف : كسور في حدّه. لسان العرب ١١ : ٥٣٠ « فلل ».