وإن صحّ الظنّ بأنّه المراد فلا يخفى أنّه مرتبة متأخّرة عمّا يبحث عنه ، بل هي بمنزلة النتيجة له ، إذ البحث في الّذي ينبغي أن يظنّ بلزوم البناء عليه ، فالإمامان لا يجوّزان البناء على غير الظنّ الخاصّ ، وغيرهما يجوّز البناء على غيره. والكلّ بعد ذلك متّفقون على أنّ ما يبنى عليه مبرئ للذمة ، وقد سمعت انتقاده على عمّه تخصيصه الحجّة بمباحث الأصول وترجيحه على الظنّ بالفروع ، وعلى هذا يرتفع النزاع بين الفريقين ، إذ كلّ منهما يرى ما يذهب إليه طريقا فعليّا.
وما ذكره في الفرق الثالث فقد عرفت أنّ الأمر كذلك حتى عند صاحب ( الفصول ) وأنّ ما قرّره جار حتى في حكم واحد من غير حاجة إلى ملاحظة سائر الأحكام ، فراجع.
وما ذكره في الفرق الرابع فقد مرّ تفصيل القول فيه عند الجواب عن اعتراض الشيخ على ( الفصول ).
وكذلك ما ذكره في الفرق الخامس ، فقد علمت هناك أنّ مراد صاحب ( الفصول ) من الطريق هو المرضي عند الشارع ولو على نحو الإمضاء وعدم الردع ، ولا بدّ أن يكون كذلك عند والده الإمام ، فلا يكفي العقلي والعادي عنده إذا لم يرجعا إلى الشرعي قطعا ، ولهذا عدّ القطع طريقا شرعيا.
وبعد ذلك نبّه على أمور ليوضّح المقصود ، وحيث إنّ سائر كلامه مبني على الفرق المذكور ، ولم يظهر لي المراد منه ، أرجأته إلى أن اختلس الفرص أثناء ما يجرعني الزمان من الغصص ، فأوفّيه من النّظر حقّه ، وأمنحه من البيان ما استحقّه.
وأنا أقطع الكلام الآن ، معيدا لما التمسته من فضلاء الزمان ، أعني الانتقاد الخالص من شوائب العناد ، فمن انتقد علينا بالحق قبلناه وشكرناه ، ومن رام الاعتراض بالباطل دفعناه.