الوجه بعيد ، لأن الله قال : إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُم مِّنَّا الْحُسْنَىٰ أُولَـٰئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ ، فبين تعالى أن من سبقت له الحسنى من الله يكون بعيداً من النار ، فيكف يكون مبعداً منها مع أنه يدخلها وذلك متناقض . فإذاً المعني بورودهم : إشرافهم عليها ووصولهم إليها . انتهى .
وعلى هذا يتعين أن يكون المقصود بتحلة القسم في هذه الأحاديث المزعومة : قسمه تعالى بأن يملأ جهنم من الجنة والناس في قوله تعالى : وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ . إلَّا مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذَٰلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ . هود ١١٨ ـ ١١٩ ويكون معنى الحديث : أن هذا الوالد يستحق الجنة ، ولكن بما أن الله تعالى أقسم أن يملأ النار ، وليس عنده ما يكفي لملئها ، فإن على هذا الوالد المسكين أن يدفع الضريبة من جلده ! !
إن منطق هذا الحديث يصور الله تعالى كأنه حاكم دنيوي بنى سجناً وأقسم أن يملأه من المجرمين ، وعندما وجد أن السجن كبيرٌ لم يمتليء بالمجرمين الموجودين ، أمر شرطته أن يقبضوا على الناس من الشارع ويضعوهم في السجن حتى يملأوه ويفي حضرة الحاكم بيمينه ، ولا يكون كاذباً !
وهو تصورٌ نجده عن الله تعالى في التوراة ولا نجده في القرآن . . الأمر الذي يجعلنا نطمئن بأن فكرة إدخال الناس إلى النار لتحلة القسم فكرة توراتية أخذها المسلمون من اليهود ففي تفسير كنز الدقائق ج ٢ ص ٤٧ ، جاء في رد مقولات اليهود التي منها ( أنه تعالى وعد يعقوب أن لا يعذب أولاده إلا تحلة القسم ) ! !
ولكن أين هذا المنطق من قوانين الحق والعدل الإلۤهي التي أقام الله تعالى عليها الكون والحياة ، وأنزلها في كتابه وأوحى بها إلى رسوله صلىاللهعليهوآله فخضع لها العلماء والفلاسفة والمفكرون !
* *