ثالثاً : إن وجود عبد المطلب في مجتمع وثني يتقرب إلى الأصنام بالقرابين وقد يذبح أحدهم ولده قرباناً لصنمه . . وإعلان عبد المطلب أنه على ملة أبيه إبراهيم صلىاللهعليهوآله ، وإحيائه عدداً من سننها ، وما جرى في عهده من حفظ الله تعالى لكعبة إبراهيم في حادثة الفيل ، وإعادة ماء زمزم المفقود على يده . . . كل ذلك يساعد على فهم نذر عبد المطلب أنه إذا رزقه الله عشرة أولاد أن يذبح أحدهم قرباناً لله تعالى على ملة إبراهيم ، ويجعل هذا النذر أمراً طبيعياً مشروعاً في ذلك الوقت ، بل دعوةً لعَبَدَة الأصنام أن يعبدوا رب البيت رب إبراهيم ، ويقدموا له قرابينهم ، ولا يقدموها لأصنامهم .
أما لماذا نذر عبد المطلب ذلك ، ولماذا عزم على تنفيذ نذره جدياً فشاور أولاده فأطاعوه ، وأقرع بينهم فرست القرعة على عبد الله ، وقال لأبيه كما قال إسماعيل . . ثم كيف تحلل من عبد المطلب من نذره بطريقة القرعة بين ذبح ولده أو نحر الإبل . . فهي إشكالات واردة . وجوابها : أنها واردة على شريعتنا لا على شريعة إبراهيم وعبد المطلب . وهي واردة عندنا لعدم معرفتنا بتفاصيل الحادث وبالمستند الشرعي الذي استند عليه عبد المطلب في نذره وطريقة وفائه به .
ولكن معرفتنا بشخصية عبد المطلب وإيمانه العميق ، تكفي للقول بأنه لم يكن يقدم على نذره ثم على التحلل منه بالقرعة إلا بحجة بينة من ربه تعالى .
ويكفينا لإثبات هذه الصفة في شخصيته ، حادثتا زمزم والفيل حيث ظهر للناس على نحو اليقين أنه كان يتلقى أوامره من ربه عز وجل !
فما المانع أن تكون قصة نذر ولده من هذه الإلهامات ، خاصة أن الولد الذي رست عليه القرعة هو والد النبي صلىاللهعليهوآله الذي أعطاه الله تعالى ما أعطى جده إسماعيل من شرف الرضا بأن يذبحه أبوه قرباناً لله تعالى ، ثم فداه الله بطريقة ألهمها لأبيه ليعطيه شرف أبوة سيد المرسلين صلىاللهعليهوآله .
هذا ، وقد روى
الدكتور شوقي ضيف في تاريخ الأدب العربي ص ٤١ ط دار