شيخين كبيرين لم يستطيعا السجود ، وتفرقت قريش وقد سرهم ما سمعوا وقالوا : قد ذكر محمد آلهتنا بأحسن الذكر ، فلما أمسى رسول الله أتاه جبرئيل فقال : ماذا صنعت ! تلوت على الناس ما لم آتك به عن الله ، وقلت ما لم أقل لك ! فحزن رسول الله صلى الله عليه وسلم حزناً شديداً وخاف من الله خوفاً عظيماً حتى نزل قوله : وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ . . الآية .
هذا رواية عامة المفسرين الظاهريين ، وأما أهل التحقيق فقد قالوا : هذه الرواية باطلةٌ موضوعةٌ واحتجوا بالقرآن ، والسنة ، والمعقول ، أما القرآن فوجوه :
أحدها : قوله تعالى : وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ .
وثانيها : قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِن تِلْقَاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَىٰ إِلَيَّ .
وثالثها : قوله : وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَىٰ ، إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَىٰ .
فلو أنه قرأ عقيب هذه الآية تلك الغرانيق العلى لكان قد أظهر كذب الله تعالى في الحال ، وذلك لا يقول به مسلم .
ورابعها : قوله تعالى : وَإِن كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ ، وكاد معناه قرب أن يكون لأمر كذلك مع أنه لم يحصل .
وخامسها : قوله : وَلَوْلَا أَن ثَبَّتْنَاكَ ، وكلمة ( لَوْلَا ) تفيد انتفاء الشيء لانتفاء غيره ، فدل على أن الركون القليل لم يحصل .
وسادسها : قوله : كَذَٰلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ .
وسابعها : قوله : سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنسَىٰ .
وأما السنة فهي أنه روي عن محمد بن إسحاق بن خزيمة أنه سئل عن هذه القصة فقال : هذا من وضع الزنادقة ، وصنف فيه كتاباً .
وقال الإمام أبو بكر
البيهقي : هذه القصة غير ثابتة من جهة النقل ، ثم أخذ يتكلم في أن رواة هذه القصة مطعونون ، وأيضاً فقد روى البخاري في صحيحه أنه صلىاللهعليهوآله قرأ