على أنه لا يخلو صلىاللهعليهوآله ـ وحوشي مما قذف به ـ من أن يكون تعمد ما حكوه وفعله قاصداً أو فعله ساهياً . ولا حاجة بنا إلى إبطال القصد في هذا الباب والعمد لظهوره ، وإن كان فعله ساهياً فالساهي لا يجوز أن يقع منه مثل هذه الألفاظ المطابقة لوزن السورة وطريقها ثم لمعنى ما تقدمها من الكلام ، لأنا نعلم ضرورةً أن من كان ساهياً لو أنشد قصيدة لما جاز أن يسهو حتى يتفق منه بيت شعر في وزنها وفي معنى البيت الذي تقدمه ، وعلى الوجه الذي يقتضيه فائدته ، وهو مع ذلك يظن أنه من القصيدة التي ينشدها . وهذا ظاهر في بطلان هذه الدعوى على النبي صلىاللهعليهوآله على أن الموحى إليه من الله النازل بالوحي وتلاوة القرآن جبرائيل عليهالسلام وكيف يجوز السهو عليه ؟ !
على أن بعض أهل العلم قد قال : يمكن أن يكون وجه التباس الأمر أن رسول الله صلىاللهعليهوآله لما تلا هذه السورة في ناد غاصٍّ بأهله وكان أكثر الحاضرين من قريش المشركين فانتهى إلى قوله تعالى : أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّىٰ ، وعلم في قرب مكانه منه من قريش أنه سيورد بعدها ما يسوؤهم به فيهن قال كالمعارض له والراد عليه :
تلك الغرانيق العلى وإن شفاعتهن لترتجى ، فظن كثير ممن حضر أن ذلك من قوله صلىاللهعليهوآله واشتبه علهيم الأمر ، لأنهم كانوا يلغطون عند قراءته صلىاللهعليهوآله ويكثر كلامهم وضجاجهم طلباً لتغليطه وإخفاء قراءته .
ويمكن أن يكون هذا أيضاً في الصلاة لأنهم كانوا يقربون منه في حال صلاته عند الكعبة ويسمعون قراءته ويلغون فيها .
وقيل أيضاً إنه صلىاللهعليهوآله كان إذا تلا القرآن على قريش توقف في فصول الآيات وأتى بكلام على سبيل الحجاج لهم ، فلما تلا : أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّىٰ وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَىٰ قال : تلك الغرانيق العلى منها الشفاعة ترتجى ؟ ! على سبيل الإنكار عليهم وأن الأمر بخلاف ما ظنوه من ذلك . وليس يمتنع أن يكون هذا في الصلاة لأن الكلام في الصلاة حينئذ كان مباحاً وإنما نسخ من بعد .
وقيل إن المراد
بالغرانيق الملائكة ، وقد جاء مثل ذلك في بعض الحديث فتوهم