على ذلك الأصل تدور استنباط الأحكام الشرعية من الألفاظ الواردة في الكتاب والسنّة ، ضرورة أنّه لولا اعتباره لا يثبت لنا أنّ هذه الألفاظ كانت ظاهرة في تلك الأزمنة في المعاني التي هي ظاهرة فيها في زماننا ، ولكن ببركة ذلك الاستصحاب نثبت ظهورها فيها في تلك الأزمنة أيضاً ما لم تثبت قرينة على خلافها ، وسمِّي ذلك الاستصحاب بالاستصحاب القهقرى ، فانّه على عكس الاستصحاب المصطلح السائر في الألسنة ، فانّ المتيقن فيه أمر سابق ، والمشكوك فيه لاحق ، على عكس الاستصحاب القهقرى فانّ المشكوك فيه ، أمر سابق ، والمتيقن لاحق.
هذا كلّه فيما إذا احرز التبادر وعلم أنّ المعنى ينسبق إليه الذهن من نفس اللفظ ، وأمّا إذا لم يحرز ذلك ، واحتمل أنّ ظهور اللفظ مستند إلى وجود قرينة داخلية أو خارجية فلا يمكن إثبات الحقيقة بأصالة عدم القرينة ، إذ لا دليل على حجيته ، فانّه إن تمسك في إثبات حجيته بأخبار الاستصحاب ، فيردّه أنّ الاستصحاب لا يثبت اللوازم غير الشرعية ، ومن الظاهر أنّ استناد الظهور إلى نفس اللفظ من لوازم عدم القرينة عقلاً ، فلا يثبت باستصحاب عدمه.
وإن تمسّك فيه ببناء العرف على عدم الاعتناء باحتمال القرينة ، فيردّه أنّ بناء العرف وأهل المحاورة إنّما يختص بما إذا شكّ في مراد المتكلم ولم يعلم أنّه المعنى الحقيقي أو معنى آخر غيره ، وقد نصب على إرادته قرينة قد خفيت علينا ، وأمّا إذا علم المراد وشكّ في أنّ ظهور اللفظ فيه من جهة الوضع أو من جهة القرينة ، فلا بناء من أبناء المحاورة على عدم الاعتناء باحتمال القرينة. فتلخّص : أنّ إثبات الحقيقة يتوقّف على إحراز أنّ الظهور مستند إلى نفس اللفظ لا إلى القرينة.
ومنها : أي علائم الحقيقة عدم صحّة السلب ، وذكروا أنّ صحّة السلب علامة المجاز ، وقد يعبّر عن الاولى بصحّة الحمل ، وعن الثانية بعدم صحّة