العلمي في ذلك أدّى في نهاية المطاف إلى انتفاء علّة العلل. وعلى هذا الأساس فلا يمكن تفسير انتفاء بعض الأشياء في هذا الكون تفسيراً يلائم مع هذه النظريّة.
فالنتيجة في نهاية الشوط هي أنّ تلك النظريّة خاطئة جداً ولا واقع موضوعي لها أصلاً.
إلى هنا قد استطعنا أن نخرج بهذه النتيجة وهي بطلان نظريّة الجبر مطلقاً ـ يعني في إطارها الأشعري والفلسفي ـ وأ نّها نظريّة لا تطابق الواقع الموضوعي ، ولا الوجدان ولا البرهان المنطقي.
(٤)
نظريّة المعتزلة
مسألة التفويض ، ونقدها
ذهب المعتزلة إلى أنّ الله ( سبحانه وتعالى ) قد فوّض العباد في أفعالهم وحركاتهم إلى سلطنتهم المطلقة على نحو الأصالة والاستقلال ، بلا دخل لارادةٍ وسلطنةٍ اخرى فيها ، وهم يفعلون ما يشاؤون ويعملون ما يريدون ، من دون حاجةٍ إلى الاستعانة بقدرةٍ اخرى وسلطنةٍ ثانية ، وبهذه النقطة تمتاز عن نظريّة الأمر بين الأمرين ، فانّ العبد على ضوء تلك النظريّة وإن كان له أن يفعل ما يشاء ويعمل ما يريد ، إلاّ أنّه في عين ذلك بحاجة إلى استعانة الغير فلا يكون مستقلاً فيه (١).
وغير خفي أنّ المفوّضة وإن احتفظت بعدالة الله تعالى ، إلاّ أنّهم وقعوا في محذور لا يقل عن المحذور الواقع فيه الأشاعرة وهو الاسراف في نفي السلطنة المطلقة عن الباري ( عزّ وجلّ ) وإثبات الشريك له في أمر الخلق والايجاد.
__________________
(١) شرح المواقف ٨ : ١٤٦.