الأمر العاشر
الصحيح والأعم
وقع الكلام بين الأعلام في أنّ ألفاظ العبادات والمعاملات هل تكون أسامي للصحيحة أو للأعم؟ قبل بيان ذلك ينبغي التنبيه على جهات :
الجهة الاولى : لا إشكال في جريان النزاع على القول بثبوت الحقيقة الشرعية ، فانّه القدر المتيقن في المسألة.
وإنّما الاشكال في جريانه على القول بعدم ثبوت الحقيقة الشرعية ، ولكن الظاهر بل المقطوع به جريان النزاع على هذا القول أيضاً ، والوجه في ذلك : هو أنّ مرجع هذا القول إلى أنّ الشارع المقدس من لدن نزول القرآن الحكيم هل استعمل هذه الألفاظ في المعاني الصحيحة من جهة لحاظ علاقة بينها وبين المعاني اللغوية ، أو استعملها في الأعم من جهة لحاظ علاقة بينه وبين المعاني اللغوية؟ فعلى الأوّل يكون الأصل في استعمالات الشارع الاستعمال في الصحيح إلاّ إذا قامت قرينة على الخلاف ، وعلى الثاني ينعكس الأمر.
بل يجري النزاع حتى على القول بأنّ هذه الألفاظ استعملت في لسان الشارع في معانيها اللغوية ، ولكنّه أراد المعاني الشرعية من جهة نصب قرينة تدل على ذلك بنحو تعدّد الدال والمدلول ، كما نسب هذا القول إلى الباقلاني (١) والوجه في ذلك : هو أن يقع النزاع في أنّ الشارع حين إرادته المعاني الشرعية بالقرينة ، هل نصب القرينة العامة على إرادة المعاني الصحيحة حتى يحتاج إرادة الأعم
__________________
(١) قوانين الاصول : ٣٩.