ولشيخنا الاستاذ ( قدس سرّه ) (١) في المقام كلام : وهو أنّ ما يكون المبدأ فيه منتزعاً عن مقام الذات ولا يحاذيه شيء في الخارج وكان من الخارج المحمول كالعلّة والمعلول والممكن وما يقابلانه من الواجب والممتنع خارج عن محل البحث ، بتقريب أنّ في أمثال هذه العناوين لا يعقل بقاء الذات وزوال التلبّس فتكون كالعناوين الذاتية ، فإنّ الامكان مثلاً منتزع عن مقام ذات الممكن وهو الانسان ، لا عن أمر خارج عن مقام ذاته وإلاّ فلازمه أن يكون الممكن في مرتبة ذاته خالياً عن الإمكان ولا يكون متّصفاً به ، وحينئذٍ لزم انقلاب الممكن إلى الواجب أو الممتنع ، لاستحالة خلوّ شيء عن أحد المواد الثلاثة.
أو فقل : إنّ المواد الثلاثة أعني بها الوجوب والإمكان والامتناع ، وإن كانت خارجة عن ذات الشيء وذاتياته ، لأنّها نسبة إلى وجود الشيء الخارج عن مقام ذاته ، إلاّ أنّها منتزعة عن ذلك المقام ، فلا تعقل أن تخلو ماهية من الماهيات عن إحدى هذه المواد الثلاث في حال من الأحوال ، وهكذا العلية والمعلولية ، فانّهما وإن كانتا خارجتين عن مقام ذات العلّة وذات المعلول ، إلاّ أنّهما منتزعتان عن نفس ذاتهما لا عن خارج مقام الذات ، فلا يعقل زوال المادة مع بقاء الذات وإلاّ للزم اتصاف ذات العلّة وذات المعلول بغيرهما ، وهو كما ترى.
ولكن بالتأمل فيما ذكرناه يظهر الجواب عنه ، وذلك لأنّ البحث في المشتق كما أشرنا إليه آنفاً إنّما هو في وضع الهيئة فقط بلا اختصاص لها بمادة دون مادة ، لما تقدّم سابقاً من أنّ وضع الهيئات نوعي لا شخصي ، مثلاً هيئة ( فاعل ) وضعت لمعنى ، وهيئة ( مفعول ) وضعت لمعنى ، وزنة ( مفعل ) وهي : اسم فاعل من باب الإفعال وضعت لمعنى وهكذا ، ومن الواضح أنّ عدم جريان النزاع في بعض أفراد الهيئة من جهة عدم إمكان بقاء الذات فيها مع زوال المبدأ لا يوجب
__________________
(١) أجود التقريرات ١ : ٧٨.