معناه ، وحيث إنّ فيما نحن فيه لم يرد معناه ، بل اريد به لفظه لا بما له من المعنى ، فلا مانع من وقوعه مبتدأ ولا يخرج بذلك عن كونه فعلاً ماضياً ، غاية ما في الباب أنّه لم يستعمل في معناه ، وهذا لا يوجب خروجه عن ذلك ، وهذا نظير قولنا : ضرب وضع في لغة العرب للدلالة على وقوع الضرب في الماضي ، فهل يتوهم أحد أنّه لا يشمل نفسه لأنّه مبتدأ.
الأمر السابع :
أقسام الدلالة
لا شبهة في أنّ الله ( تعالى شأنه ) فضّل الانسان على سائر مخلوقاته بنعمة عظيمة وهي نعمة البيان بمقتضى قوله عزّ من قائل : (خَلَقَ الْإِنْسانَ * عَلَّمَهُ الْبَيانَ)(١) وذلك لحكمة تنظيم الحياة المادية والمعنوية ، فان مدنيّة الانسان بالطبع تستدعي ضرورة الحاجة إلى البيان لابراز المقاصد خارجاً لئلاّ تختل نظم الحياة ، فالقدرة على البيان ممّا أودعه الله تعالى في الانسان.
إذا عرفت ذلك فنقول : إنّ الدلالة على أقسام ثلاثة :
القسم الأوّل : الدلالة التصورية، وهي الانتقال إلى المعنى من سماع اللفظ ، وهي لا تتوقف على شيء ولا تكون معلولة لأمر ما عدا العلم بالوضع ، فهي تابعة له وليس لعدم القرينة دخل فيها أصلاً ، فالعالم بوضع لفظ خاص لمعنى مخصوص ينتقل إليه من سماعه ، ولو فرض أنّ المتكلم نصب قرينة على عدم إرادته ، بل ولو فرض صدوره عن لافظ بلا شعور واختيار أو عن اصطكاك
__________________
(١) الرّحمن ٥٥ : ٣ ـ ٤.