وأمّا الكلام في المقام الثاني : فلا شبهة في أنّ الواجب في الشريعة المقدّسة بل في كافّة الشرائع على نوعين : تعبدي وتوصلي. والأوّل ما يتوقف حصول الغرض منه على قصد التقرب ، وذلك كالصلاة والصوم والحج والزكاة والخمس وما شاكل ذلك. والثاني ما لايتوقف حصوله على ذلك كما عرفت ، ومنه وجوب الوفاء بالدين ، وردّ السلام ، ونفقة الزوجة ، وهذا القسم هو الكثير في الشريعة المقدّسة ، وجعله من الشارع رغم أنّه لا يعتبر فيه قصد التقرب إنّما هو لأجل حفظ النظام وإبقاء النوع ، ولولاه لاختلّت نظم الحياة المادية والمعنوية ، وبعد ذلك نقول : مرّةً يعلم المكلف بأنّ هذا الواجب توصلي وذاك تعبدي ، ولا كلام فيه. ومرّةً اخرى لا يعلم به ويشك ، الكلام في المقام إنّما هو في ذلك ، وهو يقع في مقامين :
الأوّل : في مقتضى الأصل اللفظي من عموم أو إطلاق.
الثاني : في مقتضى الأصل العملي.
[ مقتضى الأصل اللفظي ]
أمّا الكلام في المقام الأوّل : فالمشهور بين الأصحاب قديماً وحديثاً هو أنّه لا إطلاق في المقام حتّى يمكن التمسك به لاثبات كون الواجب توصلياً ، ولكن هذه الدعوى منهم ترتكز على أمرين :
الأوّل : دعوى استحالة تقييد الواجب بقصد القربة وعدم إمكانه.
الثاني : دعوى أنّ استحالة التقييد تستلزم استحالة الاطلاق ، فينبغي لنا التكلّم عندئذ في هاتين الدعويين :
أمّا الدعوى الاولى : فقد ذكروا في وجه استحالة التقييد وجوهاً :