ثمّ إنّ الوضع بذلك المعنى الذي ذكرناه ، موافق لمعناه اللغوي أيضاً ، فانّه في اللغة بمعنى الجعل والاقرار ، ومنه وضع اللفظ ، ومنه وضع القوانين في الحكومات الشرعية والعرفية ، فانّه بمعنى التزام تلك الحكومة بتنفيذها في الامّة. كما أنّه بذلك المعنى أيضاً يصحّ تقسيمه إلى التعييني والتعيّني ، باعتبار أنّ التعهد والالتزام المزبور إن كان ابتدائياً فهو وضع تعييني ، وإن كان ناشئاً عن كثرة الاستعمال فهو وضع تعيّني ، وعليه فيصح تعريفه بتخصيص شيء بشيء وتعيينه بإزائه أيضاً.
هذا كلّه في بيان الأقوال في حقيقة الوضع وقد عرفت المختار من بينها.
[ أقسام الوضع ]
وأمّا الجهة الرابعة : فملخص الكلام فيها : أنّ الوضع لما كان فعلاً اختيارياً للواضع بأيّ معنى من المعاني فسّر ، توقف تحققه على تصور اللفظ والمعنى ، وعليه فالكلام يقع في مقامين : الأوّل : في ناحية المعنى. والثاني : في ناحية اللفظ.
أمّا المقام الأوّل : فالكلام فيه يقع في جهات :
الجهة الاولى : في الوضع العام والموضوع له العام ، وهو أن يتصور الواضع المعنى الكلّي حين الوضع فيضع اللفظ بازائه ، سواء كان تصوره بالكنه والحقيقة ، كما إذا تصور الانسان مثلاً بحدّه التام ، أم كان ذلك بالوجه والعنوان كما إذا تصوره بحدّه الناقص ، أو بالعنوان المعرّف والمشير من دون دخل لذاك العنوان فيه ، نظير بعض العناوين المأخوذ في موضوع القضيّة لأجل الاشارة إلى ما هو الموضوع فيها حقيقة ، بدون دخل له فيه أصلاً. فالوضع العام والموضوع له العام من قبيل القضية الطبيعية كقولنا : الانسان نوع ، فكما أنّ المحمول فيها