البراءة ، هذا بناءً على نظريتنا من عدم جريان الاستصحاب في الشبهات الحكمية.
وأمّا بناءً على جريانه فيها فلا تصل النوبة إلى أصالة الاشتغال ، بل المرجع هو استصحاب بقاء التكليف وعدم سقوطه في أمثال المقام ، وإن كانت النتيجة تلك النتيجة فلا فرق بينهما بحسبها. نعم ، بناءً على جريان الاستصحاب فعدم جريان البراءة في المقام أوضح كما لا يخفى.
الثانية : ما إذا شكّ في سقوط واجب عن ذمّة المكلف فيما لو صدر منه بغير اختيار وإرادة ، فهل مقتضى الاطلاق عدم السقوط إذا كان أو لا؟ وجهان : ربّما قيل بالوجه الأوّل بدعوى أنّ الفعل عند الاطلاق ينصرف إلى حصّة خاصّة وهي الحصّة المقدورة ، فالسقوط بغيرها يحتاج إلى دليل ، وإلاّ فالاطلاق يقتضي عدمه. ولكن هذه الدعوى خاطئة ولا واقع موضوعي لها ، والسبب في ذلك :
أنّ منشأ هذا الانصراف لا يخلو من أن يكون موادّ الأفعال أو هيئاتها.
أمّا الموادّ فقد ذكرنا في بحث المشتق بشكل موسّع (١) أنّها موضوعة للطبيعة المهملة العارية عن كافّة الخصوصيات ، وهي مشتركة بين الحصص الاختيارية وغيرها ، مثلاً مادّة ضرب وهي ( ض ر ب ) موضوعة لطبيعي الحدث الصادق على ما يصدر بالاختيار وبغيره من دون عناية ، وهكذا. نعم ، وضع بعض المواد لخصوص الحصّة الاختيارية ، وذلك كالتعظيم والتجليل والسخرية والهتك وما شاكل ذلك.
وأمّا الهيئات فأيضاً كذلك ، يعني أنّها موضوعة لمعنى جامع بين المواد بشتّى أشكالها وأنواعها ، أي سواء أكانت تلك المواد من قبيل الصفات كمادة علم وكرم وابيضّ واسودّ واحمرّ ، وما شاكل ذلك ، أو من قبيل الأفعال ، وهي قد
__________________
(١) في ص ٢٦٧.