ويتلخص نتيجة ما ذكرناه إلى الآن في خطوط ثلاثة :
الخط الأوّل : بطلان الدلالة الذاتية وأ نّها وضعية محضة.
الخط الثاني : فساد كون حقيقة الوضع حقيقة واقعية.
الخط الثالث : بطلان تفسير الوضع بكل واحد من التفسيرات الثلاثة المتقدمة ، فالنتيجة على ضوئها هي أنّ حقيقة الوضع ليست إلاّعبارة عن التعهّد والالتزام النفساني ، هذا من ناحية.
ومن ناحية اخرى : يرشد إلى ذلك الغرض الباعث على الوضع ، بل الرجوع إلى الوجدان والتأمل فيه أقوى شاهد عليه ، وبيان ذلك : أنّ الانسان بما أنّه مدني بالطبع يحتاج في تنظيم حياته المادية والمعنوية ، إلى آلات يبرز بها مقاصده وأغراضه ويتفاهم بها وقت الحاجة ، ولمّا لم يمكن أن تكون تلك الآلة الاشارة أو نحوها لعدم وفائها بالمحسوسات فضلاً عن المعقولات ، فلا محالة تكون هي الألفاظ التي يستعملها في إبراز مراداته من المحسوسات والمعقولات ، وهي وافية بهما ، ومن هنا خصّ ( تبارك وتعالى ) الإنسان بنعمة البيان بقوله عزّ من قائل : (خَلَقَ الْإِنْسانَ * عَلَّمَهُ الْبَيانَ ) (١).
ومن هنا ـ أي من أنّ الغرض منه قصد التفهيم وإبراز المقاصد بها ـ ظهر أنّ حقيقة الوضع هي التعهد والتباني النفساني ، فان قصد التفهيم لازم ذاتي للوضع بمعنى التعهد. وإن شئت قلت : إنّ العلقة الوضعية حينئذ تختص بصورة إرادة تفهيم المعنى لا مطلقاً ، وعليه يترتب اختصاص الدلالة الوضعية بالدلالة التصديقية كما سيأتي بيانه مفصّلاً من هذه الجهة إن شاء الله تعالى.
وعلى ذلك فنقول : قد تبيّن أنّ حقيقة الوضع عبارة عن التعهد بابراز المعنى
__________________
(١) الرّحمن ٥٥ : ٣ ـ ٤.