أحسنها : ما ذكره شيخنا الاستاذ قدسسره (١) من أنّ كل قيد في القضايا الحقيقية إذا اخذ مفروض الوجود في الخارج ـ سواء أكان اختيارياً أم كان غير اختياري ـ يستحيل تعلّق التكليف به ، والسبب في ذلك : أنّ القضايا الحقيقية ترجع إلى قضايا شرطية مقدّمها وجود الموضوع وتاليها ثبوت المحمول له.
مثلاً قولنا : المستطيع يجب عليه الحج ، قضيّة حقيقية ترجع إلى قضيّة شرطية ، وهي قولنا : إذا وجد في الخارج شخص وصدق عليه أنّه مستطيع وجب عليه الحج ، فيكون وجوب الحج مشروطاً بوجود الاستطاعة في الخارج ، فتدور فعليته مدار فعليتها ، لاستحالة فعلية الحكم بدون فعلية موضوعه.
وعليه فلا يمكن أن يقع مثل هذا القيد مورداً للتكليف ، بداهة أنّ المشروط لا يقتضي وجود شرطه. ولا فرق في ذلك بين أن يكون ذلك القيد اختيارياً أو غير اختياري. والأوّل : كالعقد والعهد والنذر والاستطاعة ، وما شاكل ذلك.
فانّ مثل قوله تعالى : ( أَوْفُوا بِالْعُقُودِ )(٢) أو نحوه ، يرجع إلى أنّه إذا فرض وجود عقد في الخارج يجب الوفاء به ، لا أنّه يجب على المكلف إيجاد عقد في الخارج والوفاء به. والثاني : كالوقت والبلوغ والعقل ، حيث إنّها خارجة عن اختيار المكلف فلا تكون مقدورةً له ، ومن الطبيعي أنّ مثل هذه القيود إذا اخذت في مقام الجعل فلا محالة اخذت مفروضة الوجود في الخارج ، يعني أنّ المولى فرض وجودها أوّلاً ثمّ جعل الحكم عليها ، ومردّ ذلك إلى أنّه متى تحقق وقت الزوال مثلاً فالصلاة واجبة ، ومتى تحقق البلوغ في مادة المكلف فالتكليف فعلي في حقّه ، وهكذا. وليس معنى إذا زالت الشمس فصلّ وجوب الصلاة ووجوب تحصيل الوقت ، حيث إنّه تكليف بغير مقدور ، بل معناه ما ذكرناه ،
__________________
(١) أجود التقريرات ١ : ١٦٠ وما بعدها.
(٢) المائدة ٥ : ١.