الثالث : أنّه لا يمكن على ضوء هذه النظريّة إثبات علّةٍ اولى للعالم التي لم تنبثق عن علّة سابقة ، والسبب في ذلك : أنّ سلسلة المعاليل والحلقات المتصاعدة التي ينبثق بعضها من بعض لا تخلو من أن تتصاعد تصاعداً لا نهائياً ، أو تكون لها نهاية ولا ثالث لهما.
فعلى الأوّل هو التسلسل الباطل ، ضرورة أنّ هذه الحلقات جميعاً معلولات وارتباطات فتحتاج في وجودها إلى علّة أزلية واجبة الوجود كي تنبثق منها ، وإلاّ استحال تحققها.
وعلى الثاني لزم وجود المعلول بلا علّة ، وذلك لأنّ للسلسلة إذا كانت نهاية فبطبيعة الحال تكون مسبوقة بالعدم ، ومن الطبيعي أنّ ما يكون مسبوقاً به ممكن فلا يصلح أن يكون علّة للعالم ومبدأ له ، هذا من ناحية.
ومن ناحية اخرى : أنّه لا علّة له. فالنتيجة على ضوئهما هي وجود الممكن بلا علّة وسبب وهو محال ، كيف حيث إنّ في ذلك القضاء المبرم على مبدأ العلّية. فإذن على القائلين بهذه النظريّة أن يلتزموا بأحد أمرين : إمّا بالقضاء على مبدأ العلّية أو بالتسلسل وكلاهما محال.
الرابع : أنّ لازم هذه النظريّة انتفاء العلّة بانتفاء شيء من تلك السلسلة ، بيان ذلك : أنّ هذه السلسلة والحلقات حيث إنّها جميعاً معاليل لعلّة واحدة ونواميس خاصّة لها ترتبط بها ارتباطاً ذاتياً وتنبثق من صميم ذاتها ووجودها ، فيستحيل أن تتخلف عنها كما يستحيل أن تختلف. وعلى هذا الضوء إذا انتفى شيء من تلك السلسلة فبطبيعة الحال يكشف عن انتفاء العلّة ، ضرورة استحالة انتفاء المعلول مع بقاء علّته وتخلّفه عنها ، هذا من ناحية.
ومن ناحية اخرى : أنّه لا شبهة في انتفاء الأعراض في هذا الكون ، ومن الطبيعي أنّ انتفاءها من ناحية انتفاء علّتها وإلاّ فلا يعقل انتفاؤها ، فالتحليل